الثاني : نرى الصوت مستمرا باستمرار حركة الهواء الخارج من الحلق ، والآلات الصناعية ، وسائر الأجسام المصوّتة.
واعلم أنّ الدوران لا يفيد القطع ولا دلالة قاطعة على أنّ المؤثّر في وجود الصوت هو القرع أو القلع العنيفان أو التموّج. ولا دلالة قاطعة أيضا على إمكان حدوث الصوت بدونهما ، فمن المحتمل أن يكون أحد هذه الأمور مؤثرا أو شرطا (١) ، بل الظاهر ذلك.
واعلم أنّ تموّج الهواء لازم من القرع والقلع ، لأنّ القارع للهواء يحوجه إلى أن ينقلب من المسافة التي يسلكها القارع إلى جنبتيها بعنف شديد. وكذلك القالع يحوج الهواء إلى الانقلاب المذكور. وفي الأمرين جميعا يلزم المتباعد (٢) من الهواء أن ينقاد للشكل والتموّج الواقعين هناك ، لكن القرعي أشد انبساطا من القلعي.
المسألة الثالثة : في حقيقة القرع
اعلم أنّ القرع لا بدّ فيه من حركتين إحداهما سابقة عليه ، والأخرى لاحقة به. أمّا السابقة فقد تكون من أحد الجسمين ، بأن يتحرك وينتقل إلى الثاني ، ويكون الثاني ساكنا حافظا لموضعه ، ويصير المتحرك إليه بقوّة. وقد تكون الحركة منهما معا ، بأن يتحرك كلّ منهما إلى صاحبه ، ولا بدّ من المعاوقة بينهما وقيام كلّ واحد منهما أو أحدهما في وجه الآخر قياما مخصوصا (٣) ، فإنّه إن لم توجد تلك المماسة إلّا آنا أو زمانا يسيرا جدا بحيث لا نحس به لم يكن صوت ، ولا تشترط الصلابة في ذلك القيام بأن يكون القائم صلبا ، فقد يكون رطبا في الغاية ويحصل منه صوت ، وذلك بأن يحمل عليه بالقوّة ويطلب (٤) خرقه خرقا كثيرا في زمان
__________________
(١) قال الرازي في نهاية العقول : «فلا جرم أنا توقفنا».
(٢) كذا ؛ وفي المباحث المشرقية : «للمتباعد».
(٣) كذا في المخطوطة ؛ وفي الشفاء : «محسوسا».
(٤) الكلمة كذا وغير منقوطة.