قصير ، فربّما قام في وجه الخارق وقاومه ومانعه عن النفوذ فيه وصدّه عن خرقه بسهولة ، فحينئذ يقوم في وجه ذلك النافذ ، وتقوم تلك مقام الصلابة ، كما أنّك لو أمررت السّوط في الماء برفق ، فإنّك يمكنك شقا سهلا لا يلزمك فيه مئونة ، ولو استعجلت استعصى وقاوم، وكذلك الهواء. وقد يجوز أن يصير الهواء أجزاء : جزء منه قارع كالريح ، وجزء مقاوم ، وجزء منضغط فيما بينهما على هيئة من التموّج.
فظهر أنّه ليست الصلابة والتكاثف علّة أوّلية لإحداث هذا التموّج ، وأنّهما يحدثان الصوت بسبب حصول المقاومة ، لا باعتبار خصوصيتهما ، فإذا حصلت المقاومة مع عدم الصلابة والتكاثف حصل الصوت ، لوجود علّته.
فالعلّة الأوّلية إذن هي المقاومة ، والقارع والمقروع معا يفعلان الصوت ، لاحتياج المقاومة إليهما ، لكن أولاهما به أصلبهما وأشدهما مقاومة.
وأمّا الحركة اللاحقة فهي اضطراب الهواء وانقلابه من المسافة التي يسلكها القارع إلى جنبتيها بعنف. ثمّ إنّ ذلك الهواء المنقلب يحصل له الانقياد إلى الشكل والموج الواقعين هناك.
المسألة الرابعة (١) : في أنّ الصوت هل يتوقف الإحساس به على وصول
الهواء الحامل له إلى الصماخ؟ (٢)
ذهبت الفلاسفة (٣) إلى أنّ السماع لا يحصل إلّا عند تأدّى الهواء المنضغط بين القارع والمقروع الحامل للصوت إلى سطح الصماخ. وهو مذهب النظام أيضا ،
__________________
(١) انظر البحث في نقد المحصل : ١٧٥ ـ ١٧٦ ؛ شرح المواقف ٥ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ ؛ شرح المقاصد ٢ : ٢٧٦ ـ ٢٧٨.
(٢) الصّماخ بالكسر : خرق الأذن ، الباطن الذي يفضي إلى الرأس ، يقال إنّ الصماخ هو الأذن نفسها.
تاج العروس ٧ : ٢٩٣.
(٣) راجع كتاب النفس لارسطو طاليس : ٧١. ذهب إليه أبو علي الجبائي أوّلا ، ثمّ رجع عنه ، وقال به أبو القاسم أيضا. راجع المحيط بالتكليف : ٣١٣.