وإدراك الجهة ليس من السمع ، وكلام أبي البركات خطابي.
المسألة الخامسة : في استحالة البقاء على الصوت (١)
اعلم أنّا قد بيّنا الخلاف بين المتكلمين في بقاء الأعراض ، فالأشاعرة منعوا منه ، وقالوا هنا إنّ الصوت عرض فلا يمكن بقاؤه.
وأمّا القائلون ببقاء الأعراض فقد اختلفوا ، فذهبت الكرامية إلى بقائه وجعلوا إدراكه موقوفا على حال الحدوث ، وكان عندهم أنّ الانتفاء محال أصلا ، وإن كان يدرك في حال دون أخرى ، إلّا أنّ الحدوث لا حظّ له في إدراك ما يدرك ، وإن كان له حظ المنع. (٢) والحق عندنا خلاف ذلك ، فإنّ الضرورة قاضية بعدم بقائه.
وأيضا استدل المانعون منه بأنّه لو بقي حتى اجتمعت حروف الكلمة الواحدة ، لم يكن «زيد» بأن نسمع على هذه الهيئة أولى من أن نسمعه على سائر مقاليب الحروف الخمسة (٣). ولأنّ العلم الضروري حاصل بأنّ الحروف الصلبة الآنيّة غير باقية.
واعترض بجواز بقائها وتضادها ، فإن كان الأوّل مخلفا بالثاني لزم فناؤه لوجود ضده ، وإن لم يكن مخلفا به بقى. والأصل فيه أنّ البقاء وصحّة البقاء أمران متغايران ، فجاز أن يكون كلّ واحد من الحروف يصحّ بقاؤه لو لم يحصل الحرف الآخر بعده ويستحيل بقاؤه عند حصول الحرف الآخر ، ولا يلزم من امتناع بقاء الحروف الآنية امتناع بقاء كلّها ، لأنّ الحروف مختلفة ، ولا يلزم أن يكون الشيء على حكم ما يخالفه ، ولهذا كانت هذه الحروف الآنيّة لا يمكن تمديدها ، وباقي الحروف
__________________
(١) انظر البحث في مقالات الإسلاميين ٤٢٦ ؛ المحيط بالتكليف : ٣١٢.
(٢) العبارة كذا.
(٣) أي تركيباتها من كلمة «زيد» مثلا ، وهي : يزد ، يدز ، زدي ، دزي ، ديز.