الذي وصل إلينا إلى ما قبله من جهته ومبدأ وروده. فإن كان بقي منه شيء متأد (١) أدركناه إلى حيث ينقطع ويفنى وحينئذ ندرك الوارد ومدده ، وما بقي منه موجودا وجهته وبعد مورده وقربه وما بقي من قوّة أمواجه وضعفها ، ولذلك ندرك البعيد ضعيفا ؛ لأنّه يضعف تموجه. وإن لم يبق في المسافة أمر ينتهي بنا إلى المبتدأ لم نعلم من قدر البعد إلّا بقدر ما بقي ، فلا نفرق بين الرعد الواصل إلينا من أعالي الجو وبين دويّ الرحى الذي أقرب منه إلينا. وإذا كان بقربنا رجلان بعد أحدهما ذراع والآخر ذراعان ، وسمعنا كلامهما من غير أن نبصرهما عرفنا بالسمع قدر المسافة من قرب أحدهما وبعد الآخر (٢).
المسألة السابعة : في سبب اختلاف الصوت (٣)
اعلم أنّ الصوت يختلف تارة بالجهارة والخفاءة ، وتارة بالثقل والحدّة.
أمّا سبب الأوّل : فهي الأسباب الثلاثة المذكورة في اللون : من اختلاف القوي والضعيف بحيث لا يتميز في الحس ، ومن اجتماع صوتين في الجهارة ، وحصول واحد في الخفاءة ، ومن الاختلاف النوعي.
وأمّا سبب الحدّة : فصلابة المقروع ، وملاسته في بعض الأجسام ، وقصر المنفذ ، وضيق منفذ الهواء ، وشدة التوائه في بعضها. فيحدث عن هذه الأسباب تلزّز وقوة وملاسة سطح في الهواء المتموّج ، وتراصّ أجزاء من الهواء المتموّج فيتأدّى على تلك الصورة إلى السمع. وسبب الثقل فقدانها. وهذه الأسباب تقبل الشدة والضعف ، والزيادة والنقصان ، فإن زادت الأسباب زادت المسببات على تناسب
__________________
(١) في النسخ : «متأدّيا» ، وما أثبتناه من المصدر.
(٢) المعتبر في الحكمة : ٣٣٥ ـ ٣٣٦.
(٣) راجع المباحث المشرقية ١ : ٤٢٢.