ثمّ إنّ إطلاق اسم الحرف على كلّ واحد من هذه الحروف أولى من إطلاقه على غيرها ؛ لأنّ الحرف هو الطرف وهذه الحروف بالحقيقة هي الأطراف.
وأمّا ما يمكن تمديده فعلى قسمين :
أ : منها ما الظن الغالب أنّها آنية في الحقيقة ، وإن كانت زمانية في الحس.
ب : ما الظن الغالب أنّها زمانية في الحس والحقيقة.
أمّا أ : فكالحاء والخاء وشبههما ، لأنّ الحروف الآنية الموجودة منها ما لا تكون إلّا بعد حبس قويّ للنفس ثمّ إرسال قوي ، ومثل هذا الحبس والإطلاق لا يقع إلّا في أزمنة يتميز بعضها عن البعض في الحبس كالباء والتاء.
ومنها ما لا يحتاج إلى ذلك ، بل يكتفى بكونه في حبس أو إرسال كيف اتفق ، ومثل هذا الحبس والإرسال ممّا يمكن وقوعه في أزمنة صغيرة بحيث لا يقع الشعور بامتياز بعضها عن البعض لغاية صغرها كالحاء والخاء ، فإنّه يغلب على الظن أنّ الحاء إنّما يمتد في الحس ، لا لأنّه في نفسه يمتد ، بل لأنّه بتوالي منه أعداد كثيرة في أزمنة متقاربة جدا ، كلّ واحد منها آني ، فلأجل ذلك يظن أنّه من الحروف الزمانية وأنّ المسموع منها حرف واحد يمتد في الزمان وإن كان في التحقيق من الحروف الآنية.
وأمّا ب : فمثل السين والشين فإنّها زمانية في الحس والحقيقة ، وهي هيئات عارضة للصوت عروضا ذاتيا يستمر باستمراره. وهذا يقتضي قيام العرض بالعرض خلافا لما صار إليه الأشاعرة.
فهذا هو البحث التام في ماهية الحرف. ولا حاجة له إلى التعريف ، لما سبق من أنّ الأمور المحسوسة لا يجوز تعريفها ؛ لأنّه يشتمل على إضافات واعتبارات أخفى منها.
وقد بقي الكلام في أحكام الحروف ، وهي إمّا في المفردات أو المركبات. والمفردات إمّا صوامت أو مصوتات.