اتحاد موضوعهما. فإنّ كلّ حرف له مخرج خاص لا يتأتى نطق الآخر منه ، وشرط التضاد عندهم التعاقب على موضوع واحد بالإمكان.
واحتج من نفى التضاد بأنّ ذلك لو ثبت لكان حكما من الأحكام ، فلا بدّ فيه من دلالة يدل عليه ، فلمّا انتفت الدلالة وجب القطع على نفي التضاد ، كما أنّا [لمّا] فقدنا هذه الطريقة في المعاني نفيناها.
وليس بجيد لأنّه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول. على أنّ الحكم إنّما يعدم عندهم عند عدم الدليل إذا كان الحكم موجبا عن الذات لا يقف على اختيار مختار ، أو أن يكون متى لم تثبت الدلالة قدح في حكم الحكيم. وأمّا عند فقد هذين فلا يجب عند عدم الدلالة القطع على نفي الحكم عندهم. قالوا : وإذا لم تتضاد الحروف بعضها مع بعض لم يكن لها ضد من غير هذا القبيل ، وإنّما يشتبه الحال فيه مع الخرس والسكوت ، أمّا الخرس فإنّه فساد يلحق آلة الكلام ، إمّا من رطوبة مفرطة أو جفاف مفرط ، والأشياء المختلفة لا تنفي شيئا واحدا ، لأنّ ضد الواحد واحد ، فإن جعل الخرس عجزا كان المضاد له القدرة ، فكيف يضاد الكلام مع اختلافهما.
وأيضا لو كان الخرس ضدا للكلام لم يصحّ وصف القديم تعالى بالقدرة على خلق الكلام في لسان الأخرس. وعلى هذه الطريقة صحّ أن يتكلّم الواحد بما في الصدى مع وجود الخرس في تلك الحال.
وأمّا السكوت فلا يضاد الكلام أيضا ؛ لأنّه يصحّ أن يكون ساكتا في حال هو متكلم بما في الصدى. والوجه أنّ الخرس والسكوت عدم الكلام عما من شأنه أن يكون متكلما ، لكن يفترقان بأنّ العدم في أحدهما لآفة والآخر لا لآفة.
الخامس : إذا قلنا في حرف : إنّه متحرك أو ساكن ، لم نشر بذلك إلى وجود حركة في الحرف أو سكون فيه ؛ لأنّ الحركة والسكون من صفات الأجسام