البحث الثاني : أنّ الوجوب ثبوتي أو لا؟
قد بيّنا أنّ للواجب اعتبارين : أحدهما : عدم توقّفه على الغير. والثاني : استحقاقه للوجود من ذاته. فإن جعلنا الوجوب هو الأوّل كان عدميا قطعا ، ويكون وصفا اعتباريا ذهنيّا لا تحقّق له في الخارج. وإن جعلناه عبارة عن الثاني فهل هو ثبوتي أم لا؟
اضطرب قول أفضل المتأخّرين فيه فتارة جعله ثبوتيا وتارة جعله عدميّا ، (١) وهو الحق(٢). لنا وجوه (٣) :
الوجه الأوّل : لو كان الوجوب ثبوتيّا في الخارج لزم التسلسل ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.
بيان الشرطيّة : أنّ كلّ موجود في الخارج ، فإنّه مساو لسائر الموجودات في الوجود وممتاز عنها بخصوصيته (٤) ، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز ، فيكون
__________________
(١) أنظر المباحث المشرقية ١ : ٢٠٨ ـ ٢١١ ، وقال في آخر البحث : «هذه كلمات مشكلة نسأل الله تعالى التوفيق لتحقيق الحق فيها» ثم انظر شرحه على الإشارات ، النمط الرابع في الوجود وعلله ، في ذكر الدلالة على التوحيد ، حيث أطنب الكلام في الاحتجاج على كونه سلبيا مطلقا. وذهب إليه أيضا في معالم أصول الدين : ٣١.
(٢) وهو مختار المحقّق نصير الدين الطوسي أيضا ، راجع تجريد الاعتقاد مع شرح المصنف عليه : ٤٩ ولكن ليس مراده العدم المطلق ، بل عدم وجوده في الأعيان ، وأنّه موجود باعتبار العقل ، كما صرّح بذلك في شرحه على الإشارات بقوله : «والحق أنّ الوجوب والإمكان والامتناع أوصاف اعتبارية عقلية حكمها في الثبوت والانتفاء واحد» شرحي الإشارات ١ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ «النمط الرابع في الوجود». وانظر نقد المحصل : ٩٤ ؛ المواقف: ٦٨ ـ ٦٩.
(٣) انظر مناقشة الوجوه في حكمة العين : ١٣٧ وما بعدها ، وقد اختار أنّ الوجوب ثبوتي واستدل بوجوه.
(٤) ق : «بخصوصية» والأصح ما في المتن من نسخة م ، ومراده ماهية الوجود.