المسألة الثالثة : في أنّ العلم ليس هو الانطباع (١)
اعلم أنّه لا يجوز أن يكون العلم عبارة عن صورة مساوية للمعلوم منطبعة في العالم ، خلافا للرئيس ، لوجوه :
الأوّل : لو كان التعقّل عبارة عن حصول صورة في العاقل مساوية للمعقول ، لكان تعقّلنا لذاتنا : إمّا أن يكون عبارة عن حصول صورة مساوية لذاتنا في ذاتنا ، أو يكون نفس حصول ذاتنا لذاتنا من غير صورة أخرى منتزعة منها.
ويلزم من الأوّل اجتماع المثلين ، فلا يكون إحداهما بالحالّية والأخرى بالمحلّية أولى من العكس ؛ ولا كون إحداهما آلة في التعقّل والأخرى أصلا به يحصل التعقل ويكون هي المعقول أولى من العكس. ولأنّا ما لم نعقل أنّ تلك الصورة صورة ذاتنا لم نعقل ذاتنا ، فيكون عقلنا لذاتنا قبل عقلنا لتلك الصورة.
والثاني باطل ؛ لأنّه ليس من عقل الشيء المجرّد عقل منه أنّه عاقل ، ولهذا إذا عقلنا واجب الوجود لم يجب أن نعتقد أنّه عالم ، بل نفتقر بعد علمنا بثبوته إلى دليل على علمه مع أنّه عالم بذاته في نفس الأمر. وأيضا يبطل قولهم : التعقّل حصول صورة مساوية للمعقول في العاقل.
الثاني : لو كان التعقل عبارة عن حصول صورة المعقول للعاقل ، لكان علمنا بذاتنا إمّا أن يكون نفس ذاتنا أو مغايرا له ، والقسمان باطلان.
أمّا الأوّل ، فلأنّ علمنا بذاتنا إذا كان هو نفس ذاتنا ، فإمّا أن يكون علمنا بعلمنا بذاتنا هو نفس علمنا بذاتنا الذي هو نفس ذاتنا ، وإمّا أن لا يكون. فإن
__________________
(١) قارن المباحث المشرقية ١ : ٤٤٢ ـ ٤٤٣ ؛ نقد المحصل : ١٥٦ ـ ١٥٧ ؛ نهاية العقول (المسألة الثالثة : في أنّ الادراك هل هو نفس الانطباع أو لا؟).