وجوده الذهني عرضا وباعتبار ماهيته جوهرا فذلك ليس بمنكر.
بقي شك ، وهو أنّ تلك الصورة صورة موجودة في نفس جزئية فلها وجود في الأعيان، فإذن الشيء من حيث هو في الذهن له وجود في العين فهو عرض وجوهر باعتبار الوجود العيني.
فنقول : لا شكّ في أنّ تلك الماهية من حيث إنّها موجودة في نفس جزئية فهي من الموجودات العينيّة ، ولكنّا نعني بالوجود العيني أن تكون الماهية قائمة بذاتها بحيث تترتب عليها لوازمها فإنّ السواد إذا كان موجودا في الأعيان كان من شأنه قبض البصر ، والحرارة العينيّة من شأنها التسخين ، وإذا حصلت في النفس لم تترتب عليها هذه اللوازم ، فالأوّل هو المسمى بالوجود العيني والثاني هو المسمى بالوجود الذهني.
واعلم أنّ الحقّ عندنا في هذا الباب أنّ الصورة الذهنية إن قلنا إنّها حكاية ومثال للصورة الجوهرية ، لا على أنّها مساوية لها في الطبيعة والجوهرية ، وهذه الصورة العقلية يمتنع حصولها في الخارج ، فلا يصدق عليها الجوهرية ؛ لأنّ الجوهر هو الذي إذا وجد في الخارج ممّا يمكن وجوده فيه يكون غنيا عن الموضوع.
المسألة الثانية : في كيفية تعقل الشيء لذاته (١)
سألت شيخنا أفضل المحققين نصير الملة والحقّ والدّين ـ قدّس الله روحه ـ عن هذه المسألة فقلت : محققوا الحكماء جعلوا العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم ، ومحققوا المتكلمين جعلوه إضافة بين العالم والمعلوم ، أو صفة حقيقية تلزمها الإضافة ؛ وعلى جميع الأقوال يلزم أن لا يكون الشيء عالما بذاته لاستحالة حصول صورة للشيء مساوية لذاته في ذاته ؛ لامتناع اجتماع المثلين وتضاعف الصور إلى
__________________
(١) راجع شرح الإشارات ٢ : ٣٨٢ وما يليها.