المسألة الثالثة : في معنى كون الشيء عقلا وعاقلا ومعقولا (١)
لمّا سمع الظاهريون من الحكماء هذا الكلام استحسنوه ، وظنوا أنّ العاقل لا بدّ وأن يتحد بالمعقول سواء عقل ذاته أو عقل غيره. ولمّا بحث المدقّقون عن هذا وعرفوا فساد الاتحاد حملوه على صورة خاصة ، وهي أنّ العاقل لذاته تجتمع هذه الأوصاف الثلاثة فيه ويكون كونه عاقلا وعقلا ومعقولا شيئا واحدا. وهؤلاء إن عنوا بذلك أنّ الذات الموصوفة بالعاقلية هي بعينها الذات الموصوفة بالمعقولية ، فهو حقّ. وإن عنوا أنّ وصف العاقلية ووصف المعقولية واحد فباطل ؛ لأنّ الوصفين متغايران ، لأنّهما لو اتحدا لاتحدا في التصوّر. ولو كان أحدهما جزءا من الآخر لاستحال تصوّر ما فرض كلا بدون ما فرض جزءا ، لكن التالي باطل ، لأنّه يمكننا أن نحكم على الشيء بكونه معقولا ونغفل عن كونه عاقلا فلا نحكم به ، وكذا يمكننا أن نحكم على الشيء بكونه عاقلا وإن لم نحكم بكونه معقولا ، فليس أحدهما هو الآخر ولا جزءا منه.
وأمّا أنّهما هل هما ثبوتيان (٢) أم لا؟ ففيه بحث تقدّم.
لا يقال : لا يمكننا أن نتصور كون الشيء عاقلا لذاته ونحكم به إلّا إذا عقلنا كونه معقولا لذاته ونحكم به ، وكذا بالعكس ؛ فعلمنا اتّحاد العاقلية والمعقولية هاهنا.
لأنّا نقول : العاقليّة حقيقة والمعقولية حقيقة ، فلو كان المرجع بإحداهما إلى الأخرى لكان متى ثبتت إحداهما ثبتت الأخرى ، فكان لا يثبت في الشيء كونه عاقلا إلّا إذا ثبت كونه معقولا وبالعكس ، كما أنّه لما كان المرجع بالإنسان والبشر
__________________
(١) راجع التحصيل : ٥٧٣ ؛ النمط الثالث من الاشارات ؛ الأسفار ٣ : ٤٤٧ ـ ٤٦١.
(٢) كما ذهب إليه الرازي وصرّح به في المباحث المشرقية ١ : ٤٥٩.