مفهوم الصفتين إذا تغاير في موضع تغاير في كلّ موضع.
وسألت شيخنا أفضل المحقّقين ـ قدّس الله روحه الزكية ـ عن مفهوم كون الشيء عقلا وعاقلا ومعقولا.
فأجاب : بأنّ معنى كونه عقلا ليس هو المراد من التعقل ، بل المراد هنا التجرد ، فمعنى كون الباري تعالى عقلا أنّه مجرّد الذات عن المادة وعلائقها والغواشي اللاحقة بسببها ؛ وكونه عاقلا كون الأشياء المعقولة حاضرة عنده ، لا بمعنى حلولها فيه بل ولا صورتها ، بل حصولها منه هو حضورها عنده ؛ وكونه عاقلا لذاته حصول ذاته لذاته لا لغيره ، فإنّه غير قائم لغيره البتة ؛ وكونه معقولا لذاته حضوره عند ذاته.
المسألة الرابعة : في سبب حصول الأوّليات (١)
لا شكّ في أنّ النفس الإنسانية في مبدأ فطرتها كانت خالية عن جميع العلوم الضرورية والكسبية ، ونسبتها إليها في مبدأ الفطرة كنسبة الهيولى إلى الصور المقبولة لها قبولا بعيدا ، كما لو كانت في صورة وقبلت صورة غيرها. ولا شكّ في
__________________
(١) راجع شرح الإشارات ١ : ٢١٤ ؛ المعتبر ١ : ٤٥ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٤٦٥ ـ ٤٦٧.
والأوليات من القضايا على قسمين : ١ ـ حملية ٢ ـ شرطية ؛ ففي الحملية يكفي تصور الموضوع والمحمول والنسبة الحكمية في تصديقها ، مثل : الكلّ أعظم من جزئه ؛ وفي الشرطية يكفي تصور المقدّم والتالي والنسبة الحكمية في الاذعان بها ، مثل : العدد إمّا زوج وإمّا فرد. وعرفها ابن سينا في شرح الإشارات بقوله : «هي القضايا الّتي يوجبها العقل الصريح لذاته ولغريزته لا لسبب من الأسباب الخارجة عنه» وفي النجاة : «هي قضايا ومقدّمات تحدث في الإنسان من جهة قوته العقلية من غير سبب يوجب التصديق بها إلّا ذواتها» منطق النجاة : ٦٤. وعرفه الجرجاني بقوله : «الأوّليّ هو الذي بعد توجه العقل إليه لم يفتقر إلى شيء أصلا من حدس أو تجربة أو نحو ذلك ...» التعريفات : ٥٨.