يجب أن يفرض نفسه خالية من جميع العادات والديانات ، ثمّ تعرض على نفسه تلك القضية ، فإن وجدها مبادرة إلى التصديق بها فهي القضية الأوّلية ، وإلّا فلا. وكلّ ذلك يجري مجرى الرسوم في تعريف الأوّلي. وأمّا التعريف بالحدّ فما تقدّم.
هذا على رأي الحكماء ، وأمّا على رأي المتكلّمين ، فإنّ العلوم الضرورية مستندة إلى الله تعالى ، يفعل فينا ما تقتضيه الحكمة ، وتتضمن المصلحة الراجعة إلينا ، ولا استبعاد عندي في استناد سبب التخصيص إلى الإحساس.
المسألة الخامسة : في عمل القوة العقلية في الوحدة والكثرة (١)
اعلم أنّ الماهيات العينية أو الذهنية قد تكون بسائط ، وقد تكون مركّبات ، وأيضا لا تنفك عن لواحق تلحقها وعوارض تعرض لها في الوجودين معا أو في أحدهما ، وقد وهب الله تعالى للإنسان قوّة مميّزة بين الأشياء يفرز بها بعض الذاتيات عن البعض ، والذاتيات عن العرضيات ، والعرضيات بعضها عن البعض ، فيمكنها توحيد الكثير وتكثير الواحد.
أمّا الأوّل فباعتبارين :
الأوّل : التحليل بأن تحذف عن الأشخاص الداخلة تحت النوع مشخصاتها وعوارضها الموجبة لتكثرها بالعدد ، فتبقى الحقيقة النوعية ماهية واحدة وحقيقة متحدة ، كما يحذف عن زيد وعمرو وبكر جميع المشخصات والأسباب الموجبة لكثرتها ، فتبقى الحقيقة الإنسانية المجرّدة واحدة بالعدد.
__________________
(١) راجع الفصل الخامس من المقالة الخامسة من الفن السادس (النفس) من طبيعيات الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٤٦٨ ؛ وانظر البحث عن هذا العمل للعقل وعمليات أخرى له في كتاب نظرية المعرفة للعلّامة السبحاني : ١٤١ ـ ١٥٤.