أمّا التخيّل ، فكما في حقّ النائم يجزم بما يراه في النوم ويظهر له بطلانه في اليقظة ، فجاز أن يكون لنا حالة ثالثة يظهر لنا بطلان ما نراه في اليقظة.
وأمّا الحس ، فكذبه ظاهر كما تقدّم. والمبرسم والمجنون يشاهدون صورا ، وكذا أصحاب النفوس الزكية يتخيلون صورا ، والقطرة خطّا (١) ، وغير ذلك ممّا تقدّم ذكره ، فجاز في جميع ما نحس به أن يكون كذلك.
وأمّا العقل ، فالبديهيات لا وثوق بها لاشتباهها كثيرا بالوهميات (٢). وقد يظهر لبعض الناس الفرق بعد النظر الدقيق ، وبعضهم يعجز عن الفرق بينهما. وإذا كانت البديهيات غير موثوق بها فالنظريات أولى بها.
فإن أجاب أحد عن هذه الشكوك فهو إمّا غالط أو مغالط ؛ لأنّ تلك الأجوبة علوم كسبية مبنيّة على الضرورية فيلزم الدور.
والجواب : قد جزمتم بثبوت هذه الأشياء ، لكن قلتم هنا ما يعارضها فنحن نشتغل بالجواب عنها ولا دور ؛ لأنّا لا نطلب حجّة على إثبات هذه الضروريات ، فإنّ الجزم بها حاصل لذاته ، وإنّما نحاول بالنظر حلّ الشكوك الرافعة لذلك الجزم ، فلا يلزمنا إثبات الأوّلي بالنظري حتى يدور.
المسألة السابعة : في قوة النفس الواحدة على التعقلات (٣)
اعلم أنّ النفس الواحدة بسيطة وتقوى على تعقلات غير متناهية ، وقد اختلف الناس في إمكان صدور المعلولات الكثيرة عن العلّة الواحدة بالشخص ،
__________________
(١) إنّ القطرة النازلة من السماء تتراءى كأنّها خطّ ممتد ، مع أنّها ليست إلّا نقطة. وقد ذكر القاضي الإيجي كثيرا من الأمثلة التي يغلط فيها الحس ، راجع المواقف : ١٥.
(٢) ق : «في الوهميات».
(٣) راجع المباحث المشرقية : ١ : ٤٧٢ ـ ٤٧٣.