سببا للمتأخر.
ثمّ (١) الاستعدادات قد تختلف بالشدّة والضعف والكثرة والقلّة ، وحصول الآلات وعدمها ، وسهولة الانتقال وعسره ، وإرشاد المعلم وعدمه ، وقد يفقد شخص بعض الحواس فيفقد بواسطته العلم المتعلّق بتلك الآلة ، ولهذا قال المعلم الأوّل : من فقد حسا فقد فقد علما يؤدي إليه ذلك الحس. ولا يجب في تحصيل النظريات وجود المعلّم ، وإلّا تسلسل. ولأنّ من مارس علما مدّة مديدة فإنّه لا بدّ وأن ينال منه شيئا ، وقد خلق الله تعالى الأذهان متفاوتة في الذكاء والبلادة والتوسط بينهما.
ولمّا كان الإحساس بالجزئيات سببا لاستعداد قبول تصوّر الكليات ، وحصول التصورات سبب لحكم الذهن بينها بالثبوت أو السلب ، فإذا وقع للذهن التفات إلى تصوّر محمول بسبب إحساسه بجزئياته عند استحضار تصوّر موضوعه ترتّب عليه الجزم بثبوت ذلك المحمول لذلك الموضوع ـ إذا كان تصوّر الطرفين كافيا في الحكم ـ (٢) سواء حصل مرشد ومعلّم أو لا ، وهذا هو الحدس. (٣)
__________________
(١) من هنا يبدأ العلّامة في بيان حقيقة الحدس واثبات القوّة القدسيّة.
راجع الفصل السادس من المقالة الخامسة من نفس الشفاء ؛ طبيعيات النجاة : ١٦٦ ـ ١٦٨ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤.
(٢) ما بين الشارحتين غير موجود في كتاب الرازي.
(٣) للحدس تعاريف أخرى نذكر بعضها. قال ابن سينا : «الحدس فعل للذهن يستنبط به بذاته الحدّ الأوسط» طبيعيات النجاة : ١٦٧.
وقال : «وأعلم انّ التعلّم سواء حصل من غير المتعلّم ، فانّه يتفاوت فيه ، فانّ من المتعلّمين من يكون أقرب إلى التصوّر ، لانّ استعداده الذي قبل الاستعداد الذي ذكرناه أقوى فإن كان ذلك الإنسان فيما بينه وبين نفسه سمّى هذا الاستعداد القوي حدسا» الفصل السادس من المقالة الخامسة من نفس الشفاء.
قال الجرجاني : «الحدس سرعة انتقال الذهن من المبادئ إلى المطالب ويقابله الفكر وهو أدنى مراتب الكشف» التعريفات : ١١٢.
وعرفه النيسابوري (من أعلام القرن السادس) بانّه : «ظنّ تضعف أمارته» الحدود : ٩٥.