الرابع : واجب الوجود تعالى وتقدس يعلم الأشياء دفعة واحدة ، وكذا العقول المفارقة عند الأوائل (١) ، ولا يمكن أنّ لشيء منها يعقل بالقوّة البتة ، بل كلّها حاضرة بالفعل عندها ، وكذا النفوس الناطقة بعد مفارقة البدن ، فعلم إمكان اجتماع العلوم الكثيرة دفعة واحدة للعالم.
المسألة التاسعة : في أنّ العلم بالعلّة هل يوجب العلم بالمعلول أم لا؟ (٢)
سألت شيخنا أفضل المحققين ـ قدّس الله روحه ـ عن هذه المسألة ، فقال : العلم بالعلّة يؤخذ باعتبارين :
أحدهما : العلم بأنّ العلّة موجودة متحقّقة ، وهذا لا شكّ في أنّه يستلزم العلم بوجود المعلول ولا حاجة فيه إلى البرهان.
والثاني : العلم بماهية العلّة من حيث هي هي لا باعتبار كونها موجودة ، ولا باعتبار
كونها معدومة. وحينئذ نقول : العلّة إن كانت علّة لذاتها لا باعتبار أمر ما من الأمور ، ولا وصف ما من الأوصاف ، أو تكون علّة باعتبار انضمام أمر ما إليها ، وعلى التقدير الثاني تكون العلّة هي المجموع من الماهية وذلك الاعتبار ، ويصير البحث فيه إذا أخذناه من حيث هو مجموع فإنّه تكون علّة لذاته ويساوي القسم الأوّل ، فنقول : إذا كانت تلك العلّة علّة لذاتها لم ينفك معلولها عن ذاتها ، فإذا
__________________
(١) والمؤلف لا يعترف بوجود العقول المفارقة ـ وهو مذهب الفلاسفة ـ ولا ينكرها ـ وهو مذهب المتكلّمين ـ ولا يقتنع بأدلّة الطرفين ، كما تشعر به العبارة ويظهر من كلامه في البحث عن الجواهر المجرّدة في كشف المراد : ١٧٦ ـ ١٧٨. ولكن الأدلّة الرصينة العقلية والنقلية قائمة على وجودها والبحث عن ذلك موكول إلى محلّه.
(٢) راجع المباحث المشرقية ١ : ٤٧٧ ـ ٤٨٠.