كانت ذاتها حاصلة للعالم وجب حصول معلولها له ، وإلّا لم تكن علّة أينما كانت فلا تكون علّة لذاتها.
فقلت له ـ قدّس الله روحه ـ : العالم لم تحصل له ماهية العلّة وحقيقتها ، بل إنّما حصل له مثالها وحكايتها.
فقال : كما انّ الماهية حصلت في العقل مثالها ، كذا المعلول يحصل في العقل مثاله.
وهذا غير متين كما نراه ، لأنّه نفس الدعوى. وقد استدل القدماء بوجوه ثلاثة :
[الوجه] الأوّل : العلّة لذاتها مؤثرة في المعلول ، فمن عرف تلك العلّة فلا بدّ وأن يعرف منها أنّها لذاتها علّة لذلك المعلول ، فإنّ ذاته إذا كانت مقتضية لذلك المعلول لذاتها لا لغيرها ، فمتى علمت وجب أن يعلم على هذا الوجه ، ومتى علم منها أنّها علّة لذلك المعلول وجب أن يحصل العلم بذلك المعلول ؛ لأنّ العلم بكون العلّة علّة للمعلول ، علم بإضافة العلّة إلى المعلول ، والعلم بإضافة أمر إلى أمر يستلزم العلم بالمضافين ، فوجب أن يحصل من العلم بالعلّة العلم بالمعلول.
اعترض بوجوه :
أ : للعلّة ذات في نفسها وحقيقة متأصلة في الوجود أو في الذهن ، إن كانت علة في الذهن لا غير ، وهي بهذا الاعتبار غير مضافة إلى الغير ولا مقولة بالقياس إليه ولها وصف العلية وهو مغاير لحقيقتها ، لأنّ هذا الوصف اعتبار لها بالقياس إلى معلولية المعلول ، وحكم حصل لها بعد تحقّقها في نفسها ، ولو كان هذا الوصف هو نفس العلّة المتحقّقة بدون الإضافة لكانت من باب المضاف ، فلا تكون قائمة بنفسها ، هذا خلف.