وجب دوام علمنا بلوازم أنفسنا ، لكنّا دائما نغفل عن أكثرها ، إلّا إذا التفتنا إليه ، بل وأكثرها يفتقر إلى برهان.
أجيب عن أ : بأنّ علية العلّة لا يمكن أن تكون وصفا ثبوتيا زائدا على ذات العلّة ، وإلّا لكانت علية العلّة لتلك العلّية زائدة على ذات العلّة وتسلسل. فإذن علّية العلّة نفس ذاتها المخصوصة ، فيلزم من العلم بها العلم بالمعلول. (١)
وفيه نظر ، لأنّ قولكم : «العلية نفس العلّة» إن أردتم به في الذهن والخارج معا فهو محال ؛ لأنّ العلّية وصف إضافي لا يعقله الذهن إلّا مضافا إلى الغير ، والعلّة ذات حقيقتها متأصلة في الأعيان فتغايرا بالضرورة. وإن أردتم به أنّها نفس العلّة في الخارج ، فإن أردتم بذلك أنّه ليس في الخارج إلّا الماهية ، لا وصف العلية فهو مسلّم ، لكن لا يثبت في الخارج وصف العلية ، ويثبت فيه نفس العلّة فتغايرا قطعا. وإن أردتم به أنّ الماهية والعلّية في الخارج متحدتان وإنّما تغايرتا في الذهن لزم ما تقدّم من المحال.
وعن ب : أنّ الذاتين وإن تباينتا في الحقيقة إلّا أنّ المعلول لما كان لازما للعلّة وجب أن يكون العلم بالمعلول ملازما للعلم بالعلّة ؛ لأنّ التعقّل التامّ أن يكون ما في الذهن مطابقا للوجود الخارجي ، فإذا لم تكن بين العلّة والمعلول واسطة وجب انتفاء الواسطة في العلم. (٢)
وفيه نظر ، فإنّ الماهية الذهنية ليست نفس الحقيقة الخارجية بل مثالها ، فلا يجب مساواته لها في كلّ الأحكام. ولأنّ الذهن قد تصده الغفلة وغيرها عن اللزوم بخلاف الخارجي.
وعن ج بوجهين : (٣)
__________________
(١) الجواب من الرازي في المباحث المشرقية ١ : ٤٧٩ ـ ٤٨٠.
(٢) و (٣) هذان الجوابان أيضا للرازي في نفس المصدر : ٤٧٨ ـ ٤٧٩.