المعلول ، ومتى كان كذلك كان العلم بالمعلول حاصلا. والمقدّمتان ظاهرتان ، وهو بناء على أنّ التعقل يستدعي حصول ماهية مساوية للمعقول في العاقل ، وهو ممنوع. ولو سلّمنا المساواة ، لكنّها لا تحصل من كلّ وجه بالضرورة ، فجاز وقوع التخلّف باعتبار وجه المخالفة.
تنبيه : (١) هذا العكس غير لازم فإنّه لا يلزم من العلم بالمعلول العلم بالعلّة ، لأنّ المعلول إنّما يستند إلى العلّة لا لذاته وحقيقته ، بل لأجل أنّه في ذاته غير مستقل بالوجود والعدم ، إذ لو استقل بأحدهما كان واجبا أو ممتنعا لذاته فلا يكون ممكنا واستحال اسناده إلى العلّة.
ثمّ إنّ عدم الاستقلال في الوجود والعدم هو الإمكان ، فإذن حاجة المعلول إلى العلّة واسناده إليها لأجل الإمكان. ثمّ الإمكان لا يقتضي احتياج المعلول إلى علّة معيّنة ، وإلّا لكان كلّ ممكن مستند إلى تلك العلّة ؛ لأنّ الإمكان أمر واحد في كلّ الإمكانات ، بل الإمكان يحوج إلى علّة مطلقة ، فلهذا لم يكن العلم بالمعلول مفيدا للعلم بحقيقة العلّة المخصوصة ، ولما كان الإمكان علّة للحاجة إلى العلّة المطلقة كان العلم بالإمكان سببا للعلم بالحاجة إلى علّة مطلقة.
وأمّا العلّة فإنّ اقتضاءها للمعلول لذاتها وحقيقتها المخصوصة ، فإنّ (٢) علّيتها لا بدّ وأن تكون من لوازمها. ثمّ إنّ العلّة المعيّنة لا تقتضي معلولا مطلقا ، وإلّا لكان لا يتخصص إلّا بقيد آخر ، ولا يوجد المعلول المعيّن بهذه العلّة لا غير بل مع شيء آخر فلا يكون ما فرضناه علّة علّة ، هذا خلف.
فإذن العلّة بحقيقتها المخصوصة تقتضي ذلك المعلول المعيّن ، فلهذا استند إليها دون غيرها ، فكان العلم بحقيقة العلّة المعيّنة علّة للعلم بالمعلول المعيّن. أمّا
__________________
(١) إلى انّ العلم بالمعلول لا يستدعي العلم بالعلّة. راجع المباحث المشرقية ١ : ٤٨٠ ـ ٤٨١.
(٢) المباحث المشرقية : «فاذا».