المعلول المعيّن فإنّه لا يقتضي العلّة المعيّنة من حيث هي معيّنة بل يقتضي علّة مطلقة ، فلا جرم لم يلزم من العلم بالمعلول العلم بالعلّة المعيّنة.
لا يقال : إذا كان المعلول المعيّن لا يقتضي علّة معيّنة ، فلم استند إلى علّة معيّنة دون غيرها فإنّها لا أولوية؟
لأنّا نقول : المعلول المعيّن يقتضي علّة مطلقة ، لكن العلّة المعيّنة تقتضي معلولا معيّنا ، فتعيّن تلك العلّة لذلك المعلول ليس لأجل اقتضاء المعلول لها بل لأجل اقتضائها لذلك المعلول ، فلما كانت تلك العلّة تقتضي لذاتها أن تكون مؤثرة في ذلك المعلول استحال أن تؤثّر فيه علّة أخرى ، لامتناع استناد المعلول الواحد بالشخص إلى علّتين. فتعيّن العلّة جاء من قبل العلّة لا من قبل المعلول.
قال أفضل المتأخرين : ذكرت في بعض كتبي أنّ العلم بالعلّة لا يوجب العلم بالمعلول مطلقا كيف كان ، بل العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول بشرط تصوّر ماهية المعلول. واستدللت عليه بأنّ العلية وصف إضافي ، والأمور الإضافية لا تستقل باقتضائها أحد المتضائفين ، وإلّا لوجدت تلك الإضافة لذلك الشيء وحده عند عدم غيره ، وهو محال.
فإذن لا يلزم من العلم بأحد المضافين العلم بتلك الإضافة ، فلا يلزم من العلم بذات العلّة العلم بالعلّية ، بل العلم بذات العلّة علّة للعلم بالمعلول بشرط حصول تصوّر المعلول ؛ لأنّ الوصف الإضافي إذا كان معلولا لمجموع المضافين كان العلم بهما معا علّة للعلم بالوصف الإضافي. وأمّا الآن فلما ثبت أنّ العلية لا يمكن أن تكون وصفا ثبوتيا ، بل ليس هاهنا إلّا ذات العلّة وذات المعلول ، ولا شكّ أنّ ذات العلّة من حيث كونها تلك الذات المخصوصة علّة لذلك المعلول لا جرم لزم من العلم بالعلّة العلم بالمعلول مطلقا. (١)
__________________
(١) نفس المصدر.