المسألة العاشرة : في أنّ العلم بالمسبّب إنّما يحصل من العلم بسببه (١)
لمّا كان الشيء الممكن لا يوجد في الخارج بذاته ولا اتّفاقا من غير وجود سببه ، بل إنّما يوجد بسببه ؛ وكان العلم من شرطه المطابقة ، فإنّ السبب التامّ إنّما يحصل إذا كانت الصورة الذهنية مطابقة لذلك الخارجي ، وكان الممكن في الخارج لا بدّ له من سبب لامتناع اقتضاء ذاته ترجيح أحد الطرفين ، وإلّا لخرج عن كونه ممكنا ، كان العلم به إنّما يحصل بواسطة العلم بسببه ، لأنّ ذا السبب ممكن ، وإلّا امتنع اسناده إلى السبب ، وليس للممكن ترجّح لوجوده على عدمه وبالعكس ، فبالنظر إليه يمتنع الجزم بأحد الطرفين ، بل إنّما يحصل الجزم بأحدهما إذا انضمّ إليه السبب لا غيره لعدم وجوبه بغير سببه ، فإنّ الشيء كما أنّه لا يوجد إلّا عند وجود سببه كذا العلم لا يحصل إلّا من العلم بسببه ، وكما أنّه بالنظر إلى سببه يصير واجب الوجود في الخارج ممتنع التغيّر ، وهذا هو اليقين التام. فثبت أنّ العلم بوجود ذوات المبادئ إنّما يحصل من مبادئها.
لا يقال : إذا علمنا وجود الكتابة علمنا أنّ لها كاتبا ، مع أنّ الكتابة ليست علّة للكاتب ، بل الكاتب هو العلّة.
ولأنّ الممكن يصدق عليه أنّه لا يقتضي الرجحان لا أنّه يقتضي اللارجحان ، ومقتضى ذلك أنّه لا يلزم من النظر إليه من حيث هو هو حصول الرجحان لا أن يلزم من النظر إليه من حيث هو هو حصول اللارجحان. وإذا كان كذلك ، فنحن نقول : النظر إلى الممكن من حيث هو هو لا يقتضي
__________________
(١) راجع نفس المصدر : ٤٨٢ ـ ٤٨٣.