المسألة الثالثة عشرة : في العلم الفعلي والانفعالي (١)
من مشهورات الحكماء انّ العلم منه فعلي ومنه انفعالي ؛ لأنّ الصورة الثابتة في الخارج إن استفيدت من التعقّل سمي ذلك العلم فعليا (٢) ؛ لأنّه محصّل للماهية الخارجية كالنجار إذا تصور هيئة نقش ممّا لم يسبقه أحد إليه ، بل اخترعه من نفسه ثمّ أوجد مثاله في الخارج ، وكذا البناء إذا ارتسم في خياله شكل بيت معيّن على هيئة خاصة لم يسبق وجودها ، فانّ ذلك التصوّر يصير مبدأ لحصول ذلك في الخارج. وأيضا جميع الأفعال الحيوانية والإنسانية إنّما توجد بسبب العلم بما يشتمل عليه من المنافع أو الظنّ أو الاعتقاد ، فإنّ العطشان إذا وجد الماء البارد وعلم أو ظنّ أو اعتقد أن لا ضرر عليه من شربه لا في الحال ولا فيما بعده ، فانّه يصدر عنه الشرب باعتبار ذلك العلم والظن والاعتقاد. والعالم بما في السم من المضار وعدم اشتماله على منفعة البتة فانّه بالضرورة يمتنع عن تناوله. وكذا الإنسان إذا تذكر الله تعالى وعظّم شأنه وخشي من أليم عقابه قفّ (٣) جلده وقام شعره استشعارا من خشية الله تعالى. وكذلك إذا رأى صورة جميلة أو تذكرها ربّما انتشر عضوه.
وفيه نظر ، فإنّ هذا العلم في الحقيقة انفعالي ؛ لأنّه مستفاد من الصورة الخارجية ، وإن كان يصدر عنه شيء فباعتبار آخر. فهذه الإدراكات الكلّية تارة والجزئية أخرى هي الأسباب لحصول الأفعال في الخارج ، إلّا أنّ تصوّرات النفس الإنسانية لا تؤثر في وجود تلك المتصورات إلّا بواسطة الآلات ، فأمّا إذا كان
__________________
(١) راجع شرح الإشارات ٣ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ؛ كشف المراد : ٢٢٩ ؛ شرح المواقف ٦ : ٤٣.
(٢) للعلم الفعلي استعمال آخر وهو ما يقابل الذاتي كالصفات الفعلية والذاتية ، والمراد به العلم في مقام الفعل دون مقام الذات.
(٣) في هامش نسخة ج : «قفّ شعره : قام فزعا».