كل ما يمكن ، وإلّا لامتنع أن يحصل له إلّا عند تغير يعرض له فتكون ذاته متغيرا ، وقد فرض خلافه.
وسأل بعضهم الرئيس (١) فقال : الذي يدرك منّا المعقولات مجرد ، ولا يجب لنا ما يمكن من التعقلات ، ولا يمكن إسناد العدم إلى الاشتغال بالبدن ، فإنّه يعوق النفس الناطقة عن فعلها ؛ لأنّه لو كان كذلك لما كان تنتفع بالبدن في التعقلات ، وليس الأمر كذلك.
فأجاب الشيخ : بأنّه ليس كل مجرد عن المادة كيف ما كان عقلا بالفعل ، بل كل مجرد عن المادة تجريدا تامّا فهو كذلك ، والنفس ليست مجردة تجريدا تاما ، لأنّ المادة سبب لقوامها بوجه حيث كانت سببا لحدوثها وسببا لهيئة تشخصها ويتهيأ لأجلها إلى الخروج إلى الفعل ، وليس من العجب أن يكون الذي يمنع من شيء يمكّن من شيء ، والذي يشغل عن شيء يشغل بشيء.
المسألة الخامسة عشرة : في أنّ تعقّل الشيء لذاته هو نفس ذاته ، وأنّ ذلك حاضر أبدا (٢)
من جعل التعقّل حضور صورة المعقول عند العاقل ، فالعاقل لذاته إنّما يعقل ذاته بحضور ذاته عند ذاته ، فلا يخلو إمّا أن يعقل ذاته لأجل حضور نفس ذاته ، أو لأجل حضور صورة أخرى عند ذاته.
والثاني باطل ؛ لأنّ تلك الصورة إن كانت مساوية لذاته في الماهية والحقيقة فهو محال ، لأنّها إذا حلّت في ذاته لم تتميز إحداهما عن الاخرى ، لا بالماهية ولا
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية : ١ : ٤٩٤ ـ ٤٩٥.
(٢) راجع نفس المصدر : ٤٩٥ ـ ٤٩٦.