المسألة السادسة عشرة : في إمكان تعقّل البسيط (١)
اعلم أنّ الحقائق إمّا بسيطة أو مركبة. فالمركبات يمكن أن تعرف بواسطة معرفة أجزائها. وأمّا البسائط فقد زعم قوم من القدماء أنّ حقائقها غير معلومة للبشر ، وإنّما تعرف لوازمها وعوارضها دون نفس ماهياتها كما تعرف النفس بأنّها شيء محرك للبدن ، وهذا عارض للنفس ، وأمّا حقيقة النفس فغير معلومة للبشر.
واستدلوا عليه بأنّ اختلاف الناس في حقائق الأشياء واقع ، خصوصا النفس ، ولا سبب في ذلك إلّا أنّهم لم يدركوا تلك الحقائق بماهياتها ، بل بلوازمها ، فكل واحد من أشخاص البشر أدرك لازما لتلك الماهية مغايرا لما أدركه الآخر فحكم بمقتضى ذلك اللازم ، فأمّا لو عرفنا حقائق الأشياء لعرفنا كل لوازمها القريبة والبعيدة ، لما تقرر من أنّ العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول ، ولو كان كذلك لم يكن شيء من صفات الماهيات مطلوبا بالبرهان ولا خفيا عند العقلاء.
قيل عليه (٢) : الحقائق البسيطة إن لم تكن معلومة لم تكن المركبات معلومة ، لأنّ تركب المركبات إنّما هو من البسائط ، فإنّ كل كثرة فالواحد منها موجود ، وتلك البسائط إذ هي غير معقولة كانت المركبات أيضا غير معقولة بالحدّ. ولا يمكن أن تكون معقولة بالرسم أيضا ؛ لأنّ الرسم عبارة عن تعريف الشيء باللوازم ، وتلك اللوازم إن كانت بسيطة فهي غير معقولة ، وإن كانت مركبة فبسائطها غير معقولة ، فهي أيضا غير معقولة. وبالجملة فالكلام فيها كالكلام في الملزومات.
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٤٩٩ ـ ٥٠٠.
(٢) والقائل هو الرازي ، نفس المصدر.