كالأجسام والألوان وسائر الكيفيات والكميات.
والعقول البشرية تعجز عن إدراك الأوّل لقوته ، كما تعجز أبصار الخفافيش عن الرؤية في ضياء نور الشمس. وتعجز عن المقابل أيضا لضعفها ونقصانها ، كما يعجز البصر عن إدراك المدركات الضعيفة. وأمّا المتوسط بينهما فهو الذي تقوى النفوس البشرية على إدراكه والإحاطة به ، ولهذا كانت معرفة الأجرام فلأبعاد (١) أسهل من معرفة سائر الأشياء.
المسألة السابعة عشرة : في تفسير العقل (٢)
للإنسان قوتان :
__________________
(١) كذا ، وفي عبارة الرازي : «والأبعاد».
(٢) العقل في اللغة على معنيين : الأوّل : الادراك والفهم. الثاني : القيد والمانع. وفي الاصطلاح يطلق على أشياء كثيرة ، يذكر الفارابي ستة منها :
الأوّل : العقل الذي يقوله الجمهور في الانسان : أنّه عاقل وفاضل وجيد الروية في استنباط ما ينبغي أن يؤثر من خير ، أو يجتنب من شر.
الثاني : العقل الذي يردده المتكلمون على ألسنتهم فيقولون : هذا مما يوجبه العقل وينفيه العقل.
الثالث : العقل الذي يذكره أرسطوطاليس في كتاب البرهان بأنّه : القدرة على استيعاب مبادئ القياس الأوّلي وذلك بمجرد الطبع والفطرة.
الرابع : العقل الذي يذكره في المقالة السادسة في كتاب الأخلاق ، وأنّه ضرب من الاعتياد الذي يتم بالتجربة والاختبار. وهو يمكّننا أن نتوصل بشيء من الفطنة إلى أحكام صائبة في باب الخير والشر.
الخامس : العقل الذي يذكره في المقالة الثالثة من كتاب النفس والذي جعله أرسطو طاليس على أربعة أنحاء : عقل بالقوة ، عقل بالفعل ، عقل مستفاد ، عقل فعال.
السادس : العقل الذي يذكره في كتاب ما بعد الطبيعة. راجع مصطفى غالب ، الفارابي : ٨٢ ـ ٩٠ (معاني العقل عند الفارابي). ـ