واعلم أنّ الحق في هذا الباب عندي ما اختاره الأفضلان (١) من أنّ العقل غريزة تلزمها العلوم الضرورية عند سلامة الآلات.
المسألة الثامنة عشرة : في تفسير ألفاظ في هذا الباب (٢)
الأوّل : الإدراك لغة : اللقاء والوصول. وفي اصطلاح الحكماء كذلك ، لأنّ المدرك يصل إلى ماهية المدرك لأجل انطباع صورته فيه (٣).
الثاني : الشعور : وهو إدراك بغير استثبات ولا تصور تام ، وهو أوّل مراتب وصول المعنى إلى النفس ؛ فإذا حصل وقوف النفس على تمام ذلك المعنى قيل له «تصوّر» ؛ فإذا بقي بحيث إنّه لو أراد استرجاعه بعد ذهابه رجع ، قيل له «حفظ» ؛ ولذلك الطلب «تذكر» ؛ ولذلك الوجدان «ذكر».
الثالث : المعرفة : قيل : إنّها إدراك الجزئيات.
الرابع : العلم : قيل : [إنّه] إدراك الكليات.
وقيل : إذا أدركنا شيئا فانحفظ أثره في أنفسنا ثم أدركناه ثانيا ، وأدرك مع
__________________
(١) وهما الرازي والطوسي ، قال الرازي بعد نقل المشهور من المتكلمين في تعريف العقل : «وعند هذا ظهر أنّ العقل : غريزة تلزمها هذه العلوم البديهية عند سلامة الآلات». واستحسنه الطوسي وقال : «وما ذهب إليه المصنّف هو الصواب». راجع نقد المحصل : ١٦٣. وقال المؤلف في شرح كلام الطوسي : «هذا هو الحق في تفسير العقل» راجع كشف المراد : ٢٣٤.
ولعلّهم استفادوه من باب مدينة علم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علي بن أبي طالب ـ عليهالسلام ـ حيث قال : «العقل غريزة تزيد بالعلم والتجارب» غرر الحكم ودرر الكلم ١ : ٦٧. وقال أيضا : «العقل مركب العلم» نفس المصدر ١ : ٢٩. وهذا تعريف جامع لأكثر ما قاله المتكلمون والحكماء ونرى تعاريفهم قريبة من كلامه ـ عليهالسلام ـ ، فتأمل جيدا.
(٢) راجع المباحث المشرقية ١ : ٤٨٩ ـ ٤٩٠.
(٣) راجع شرح الاشارات ٢ : ٣٠٨.