المسألة التاسعة عشرة : في أنّ المعدوم كيف يعلم؟ (١)
اعلم أنّ الناس اختلفوا في أنّ المعدوم هل هو ثابت في الخارج أو لا؟ وقد سبق. فالقائلون بثبوته يمكنهم القول بكون المعدوم معلوما ؛ لأنّ له متعلقا ثابت الذات خارجا عن الذهن فأمكنت الإضافة إليه.
ومن قال : إنّ المعدوم ليس بثابت في الخارج ورد عليه الإشكال ؛ لأنّ المعلوم متميّز وكل متميّز ثابت ، والعدم المطلق ليس بثابت ، فلا يكون معلوما. مع أنّا نعلم كثيرا من المعدومات كالشريك ، واجتماع النقيضين. فالحكيم افلاطون خلص بمثل ما خلص به الأوائل من المتكلمين ؛ لأنّه أثبت المثل وجعل لكل معقول أمرا كليا في نفس الأمر ثابتا في الخارج موجودا عينيا. وهو مع فساده غير مفيد للغرض ؛ لأنّا قد نعلم ما هو ممتنع كشريك الباري واجتماع النقيضين ، ولا يمكن أن تكون ثابتة في الخارج.
وأجيب (٢) : بأنّ البسيط كعدم ضد الله تعالى يعقل لأجل تشبهه بأمر موجود ، فيقال : ليس لله تعالى شيء نسبته إليه نسبة السواد إلى البياض ، فلو لا معرفة المضادّة الحاصلة بين أمور وجودية ، وإلّا (٣) لاستحال معرفة عدم ضد الله تعالى. وإن كان مركبا كعدم اجتماع الضدين ، فالعلم به يتم بسبب العلم بأجزائه الوجودية مثل : أن يعقل السواد والبياض والاجتماع حيث يعقل ثبوته ، ثم يقال : الاجتماع أمر وجودي معقول ليس حاصلا للسواد والبياض. فالحاصل أنّ عدم البسائط إنّما يعرف بالمقايسة إلى الأمور الوجودية ، وعدم المركبات إنّما يعرف بمعرفة بسائطها.
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٥٠٠ ؛ نقد المحصل : ١٦١ ـ ١٦٢.
(٢) الجواب من الرازي في المباحث المشرقية ١ : ٥٠٠ ، وانظر بقية الأجوبة والاعتراضات في نقد المحصل : ١٦١ ـ ١٦٢.
(٣) ليست في المباحث المشرقية.