وفيه نظر ، فانّه مسلم أنّ الحركة وغيرها حال فرض وجوده يكون واجبا مع فرض وجوده ، ومع فرض عدمه يكون ممتنعا ، لكن مع قطع النظر لا يجوز هنا صدوره عن العبد ، لأنّه لا مؤثر عندهم غير الله تعالى. والوجوب والامتناع اللاحقين بالفعل حالة وجوده وعدمه إنّما ينسبان بالنسبة إلى الله تعالى لا إلى العبد عندهم. واختيار العبد عندهم غير مؤثر ولا مرجح ، فلا يقع بواسطته امتياز البتة.
وقيل : القدرة هي الحركة ، حيث وجدوا الحركات هي التي يظهر بها في الغالب كون أحدنا فاعلا.
وهو خطأ ، أخذوا فيه لازم الشيء مكانه. مع أنّ الجمادات تتحرك وليست قادرة ، فليست الحركة هي القدرة.
المسألة الثانية : في أنّ القدرة (١) متقدمة على الفعل
اختلف المعتزلة والأشاعرة في ذلك ، فالذي عليه المعتزلة والإمامية والفلاسفة أنّ القدرة يجب أن تكون متقدمة على الفعل (٢) ، وهو الحق.
__________________
(١) قد تستعمل القدرة والقوة والاستطاعة والطاقة في هذه المباحث بمعنى واحد. قال القاضي عبد الجبار : «وأعلم أنّ الأسماء تختلف عليها ، فتسمى قوة واستطاعة وطاقة ... وعلامة اتفاق هذه الألفاظ في المعنى ، أنّك لو أثبتّ ببعضها ونفيت بالبعض لتناقض الكلام». شرح الأصول الخمسة : ٣٩٣.
(٢) واختلفوا أيضا في أنّه هل يجب بقاؤها إلى حالة وجود المقدور؟ كما في شرح المقاصد ٢ : ٣٥٤.
وانظر رأي المعتزلة في : الانتصار : ٧٩ ـ ٨١ ؛ شرح الأصول الخمسة : ٣٩٥. ورأي الإمامية في : تصحيح الاعتقاد : ٦٣ ـ ٦٤ ؛ كشف الفوائد : ٢٣٧ ؛ كشف المراد : ٢٤٨ ؛ مناهج اليقين : ٧٩.
ورأي الفلاسفة في : الفصل الثاني من المقالة الرابعة من إلهيات الشفاء : ٣٨٣. ورأي الأشاعرة في : مقالات الإسلاميين : ٢٣٠ ـ ٢٣٣ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٥٠٥ ـ ٥٠٦ ؛ أصول الدين للرازي : ٨٩ ؛ تلخيص المحصل : ١٦٥.
وانظر أيضا الآراء والأدلّة في الفصل في الملل والأهواء والنحل ٣ : ٣٨ ـ ٦٢.