مستديرا. (١)
وأمّا الحرارة ، فإنّها لا تقتضي كون محلّها حارا ، إلّا إذا كان الحالّ هي بعينها ، والمحل جسما خاليا عن ضدّها من شأنه أن ينفعل عنها. ولا يلزم من ذلك أنّ صورتها المغايرة لها إذا حلّت جسما أو قوة جسمانية أن تجعلها حارة ، فضلا عن أن تجعل المدرك الذي يكون ذلك المحلّ آلة له حارا. (٢)
وقيل : الاستدارة ليست بنفسها حاصلة. (٣)
وفيه نظر ، فإن تدرك اشكالا كثيرة لا تحضر كثرة متضادة دفعة أو قريبا من دفعة ، ويمتنع حصولها في آلة واحدة لتضادها ، وفي آلات متكثرة بتكثر تلك الصور ؛ للعلم القطعي بقصور الآلة عن الإحاطة بهذه الأشكال المتكثرة. ثمّ إن فرضنا إمكان ذلك ، فكيف تطبع الآلة إلى التشكلات المتكثّرة بسهولة جدا مع تضاد المتشكلات واحتياجها إلى زمان يتهيأ المحل للانفعال على هيئتها؟
والاستدارة الكلية إذا عقلت فإنّما تعقل بحصولها نفسها في ذات العاقل عندهم ، أو لحصول صورة مساوية لها ، وعلى كلا التقديرين فإنّه يجب أن يكون المحلّ مستديرا ؛ لأنّا لا نعني به إلّا ما حلّ فيه الاستدارة أو صورتها. ولا فرق بين الكلي والجزئي في ذلك ، وإلّا لم يكن العلم حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم ، ولا مدخل للجزئية والكلية في اتّصاف المحلّ بالاستدارة وعدمه ، بل إن حصلت الاستدارة أو صورتها في محلّ وجب أن يكون مستديرا ، سواء كانت الاستدارة كلية أو جزئية ، وإن لم تحصل لم يجب أن يكون مستديرا.
__________________
(١) حاصله : أنّ الاستدارة إن كانت جزئية فمحلّها الآلة ولا يلزم من استدارتها استدارة المدرك. وإن كانت كلية فلا يلزم أن يكون محلّها مستديرا.
(٢) شرح الإشارات ٢ : ٣١٨.
(٣) هذا ما أجاب به قطب الدين الرازي بعد اعتراضه على جواب الخواجه ، فراجع المصدر نفسه.