فقوله : «إذا كانت كلية لم تكن ذات وضع» مسلّم ، لكن قوله : «ولا يقتضي أن يصير محلّها مستديرا» لا يجامع قولهم : التعقل حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم.
وقوله : «الحرارة لا تقتضي كون محلّها حارا ، إلّا إذا كان الحال هي بعينها ، والمحلّ جسما خاليا عن ضدّها من شأنه أن ينفعل عنها» ، ضعيف.
لأنّا لا نعني بالحار إلّا ما حلّ فيه الحرارة ، فإن كانت الحرارة نفسها حالّة ثبت أنّه حار. وإن كانت صورتها ، فإن ساوتها من كلّ وجه فكذلك ، وإن ساوتها من بعض الوجوه لم تكن حقيقة الحرارة معلومة إلّا من ذلك الوجه ، لا من كلّ وجه. وإن كان حصول المساواة من بعض الوجوه مقتضيا للعلم بالماهية من كلّ وجه لم يكن لذلك الوجه الذي حذفناه عن درجة الاعتبار تخصص عن باقي الوجوه حتى تعتبر هي خاصة.
وقيل : إنّما يلزم كون الذهن مستديرا لو حصلت الاستدارة نفسها فيه ، أمّا إذا حصلت صورتها ومثالها (١) فلا.
وهو باطل ؛ لأنّ مثل الاستدارة وصورتها إن كان عين الاستدارة لزم كون الذهن مستديرا ؛ لأنّ معناه ما حصلت فيه الاستدارة ، وإن لم يكن ، لم يكن تعقل الاستدارة حصول الاستدارة في العاقل ، وهو المطلوب.
الثاني : الصورة الذهنية إن لم تكن مطابقة للخارج كانت جهلا ، وإن كانت مطابقة فلا بدّ من أمر في الخارج وحينئذ لم لا يجوز أن يكون الإدراك حالة نسبية بين
__________________
(١) قال الشيخ : إدراك الشيء هو أن تكون حقيقته متمثّلة عند المدرك يشاهدها ما به يدرك. وقال الخواجه في شرحه : يقال تمثّل كذا عند كذا ، إذا حضر منتصبا عنده بنفسه أو بمثاله. شرح الإشارات ٢ : ٣٠٨ و ٣١٠ ؛ راجع أيضا شرح الإشارات ٣ : ١٥٠ ـ ١٥١ و ٣٤٥ ، حيث يقول : وكمال الجوهر العاقل أن يتمثّل فيه جليّة الحقّ الأوّل قدر ما يمكنه أن ينال منه ببهائه الذي يخصّه ، ثمّ يتمثّل فيه الوجود كلّه على ما هو عليه مجرّدا عن الشوب.