وأسباب الغم ما يقابل هذه الأمور ، وهي تذكر الأخطار التي عرضت ، والآلام التي قوسيت ، والأحقاد وما غاظ من المعاملات والمعاشرات ، ومثل توهم المخاوف في المستقبل، وخصوصا الواجب من مفارقة هذه الدار والقصور عن المراد» (١).
الثالث : الفرح يعد النفس للفرح ، والغم يعدّ النفس للغم ، فإنّ الصفة ذات الضد إذا حدثت ، فإنّ القوة على تلك الصفة تشتد فتصير أشد استعدادا (٢).
المسألة الثانية : في سبب شدّة الفرح (٣)
المعلول مناسب للعلّة ، فإذا قبل الشدة والضعف قبلتهما العلّة ، فشدة العلة سبب لشدة المعلول ، ولهذا فإنّ الحار كلّما كان أشد حرارة كان اسخانه أشدّ. وأسباب الفرح والغم السابقة إذا اشتدت اشتد معلولهما. ثمّ إنّهما يشتدان أيضا بسبب التكرار لوجوه :
الأوّل : الاستقراء ، فإنّه يدل عليه ، ولهذا إذا سخن الجسم مرارا متوالية استعد بسرعة للتسخن (٤) ، وكذلك إذا برد ، أو تخلخل ، أو كثف. والقوى الباطنة تصير لها عند تكرر أفعالها وانفعالاتها ملكة قوية وإنّما تكتسب الأخلاق بمثل ذلك ؛ فإنّ تكرار التخلق يصيّره خلقا. وبالجملة فإنّ كثرة الأفعال سبب لحدوث الملكات.
الثاني : كلّ انفعال مؤد إلى فعل فهو مناسب له ، والمناسب للشيء معاند
__________________
(١) نفس المصدر : ٢٣٣.
(٢) راجع نفس المصدر : ٢٣٤.
(٣) راجع رسالة في الأدوية القلبية : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٥٣١ ـ ٥٣٣ ؛ الأسفار ٤ : ١٥٤.
(٤) في بعض نسخ رسالة ابن سينا : «لسرعة التسخن» وفي بعضها «بسرعة للتسخين».