حيث هو عاقل إضافة إلى ذاته من حيث هو معقول ، وتلك الإضافة هي التعقل.
وإن كان المعقول غير العاقل ، أمكن لذلك العاقل من حيث هو هو أن يعقل ذلك المعقول من حيث هو ، حال كون ذلك المعقول معدوما في الخارج ، فلا جرم لا بدّ من ارتسام صورة أخرى من ذلك المعقول في العاقل لتحقّق النسبة المسمّى بالعاقلية بينهما. وعلى هذه القاعدة استمرت الأصول المثبتة بالدلالة ، فإنّ الحجّة لما قامت على أنّه لا بدّ من الصور المنطبعة ، لا جرم أثبتناها. وقامت الدلالة أيضا على أنّ العلم ليس هو نفس ذلك الانطباع ، لا جرم أثبتنا إضافة زائدة على تلك الصورة الحاضرة. ولما حصرنا الأقسام وبطل ما سوى هذا القسم تعيّن الحقّ فيه.
واعلم أنّ لنا في تعقّل الواحد نفسه كلاما سيأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقوله : «لا بدّ من ارتسام صورة أخرى من ذلك المعقول في العاقل» ممنوع ، لما تقدّم من بطلان القول بالصورة. نعم الحقّ ما قدّمناه من كون العلم صفة حقيقية تلزمها الإضافة.
المسألة السادسة : في أنّ التعقّل لا يشرط فيه الاتحاد (١)
هاهنا مذهبان غريبان عجيبان لقدماء الحكماء في التعقل حدثا بعد المعلم الأوّل.
أحدهما قد كان مشهورا عند المشائين ، وهو : أنّ الجوهر العاقل إذا عقل صورة عقلية صار هو هو ، فاتحد العاقل بالصورة المعقولة عند تعقله إيّاها.
__________________
(١) راجع : المباحث المشرقية ١ : ٤٤٦ ـ ٤٤٩.