ثمّ إنّ منه ما هو حقيقي ، وهو الذي يطابق كون الشيء ولا يفضل عنه ؛ ومنه ما هو ثان غير حقيقي ، وهو الفاضل عن الشيء ، كما قلنا في الأين. لكن فرق بينهما فإنّ الأين الحقيقي لا يمكن أن يحصل فيه اثنان ، والمتى الحقيقي تحصل فيه أشياء لا تنحصر.
قال الشيخ : «وقد هوّل فاضل المتأخرين (١) في «العبارة» (٢) عن «المتى الخاص» تهويلا مفرطا ، فقال : إنّ متى نسبة الشيء إلى الزمان الذي يساوق وجوده وتنطبق نهايتاه على نهايتي وجوده ، أو زمان محدود ، هذا الزمان جزء منه.
وذلك أنّه ذكر نهايتي وجوده ، فإمّا أن يعنى به نهايتي مقداره ، أو نهايتي حركته ، أو نهايتي زمان وجوده ، أو نهايتي متاه ونسبته إلى زمانه ، فإن عنى نهايتي مقداره فليس ينطبق عليهما نهايتا زمانه ؛ وإن عنى نهايتي حركته فخص بذلك المتحرك المتصل الحركة أو الحركة نفسها ، وليس الغرض متجها إلى هذا وحده ؛ وإن عنى نهايتي زمان وجوده كان وجوده فيه حاصلا ، فلا ينطبق عليهما نهايتا زمانه بل هما هما ؛ وأمّا نهايتا النسبة فيمكن أن يجعل له وجه تأويل ، فيقال : إنّ معناه أنّ متاه نسبة (٣) إلى زمان تنطبق نهايتاه على نسبتين له إلى نهايتي هذا الزمان ،
__________________
(١) يعني إسكندر الأفروديسي ، وهو من كبار الحكماء اليونان. ولد في أفرودوسيا من أعمال آسيا الصغرى ، كان في أيام ملوك الطوائف بعد الإسكندر الملك وقد رأى جالينوس واجتمع معه ، فكان أكبر شراح أرسطو أثرا وأبعدهم صيتا حتى لقبه خلفاؤه بأرسطو الثاني. عاش في الربع الأخير من القرن الثاني بعد الميلاد والربع الأوّل من القرن الثالث الميلادي. الموسوعة الفلسفية للحفني : ٤٣ ؛ أخبار الحكماء : ٤٠ ؛ طبقات الأطباء ١ : ٦٩ ؛ عبد الرحمن البدوي ، موسوعة الفلسفة ١ : ١٥٣.
(٢) يسمّى في اليونانية ب «بارى ارمينياس».
(٣) في نسخة من المصدر : «هو نسبته».