وأمّا مقولتا أن يفعل وأن ينفعل ، فليستا وجوديتين ، لأنّ كون الشيء موصوفا بغيره إن كان زائدا على ذات الموصوف وذات الصفة كان أيضا حاصلا في ذات الموصوف ، فيلزم أن يكون اتصافه بتلك الموصوفية زائدا عليه ، ويلزم التسلسل.
وأيضا (١) تأثير المؤثر في الأثر لو كان ثبوتيا لكان عرضا ؛ لاستحالة كون المؤثرية جوهرا قائما بذاته ، لأنّه من الاعراض النسبية التي لا تعقل إلّا بين شيئين ، فكيف يعقل قيامها بذاتها؟! فتكون مفتقرة إلى المؤثر ، فتأثير المؤثر في ذلك التأثير يكون زائدا عليه ، ويتسلسل. ومع تسليمه فالمقصود حاصل ؛ لأنّا نقول : إذا كان بين كلّ مؤثر وأثر واسطة هي التأثير حتى افترضت هناك أمور غير متناهية يكون كلّ سابق منها علّة للاحق ، فتلك الأمور إمّا أن تكون متلاقية ، أو لا يكون شيء منها متلاقيا ، ونعني بالتلاقي أن يفرض مؤثر ومتأثر لا واسطة بينهما. فإن كانت متلاقية بأن يوجد أمران منها لا يتوسطهما شيء ويكون أحدهما مؤثرا والآخر أثرا ، فحينئذ لا يكون تأثير ذلك المؤثر في ذلك الأثر زائدا على ذات المؤثر وذات الأثر ، فلا يكون تأثير الأوّل في الثاني زائدا عليهما ، وكذا تأثير الثاني في الثالث ، والثالث في الرابع ، وهكذا ، فلا يكون شيء من تأثيرات المؤثرات زائدا على ذات المؤثر وذات الأثر ، فلا تكون المؤثرية ثبوتية ، وهو المطلوب ، ولا تكون هناك جملة تزيد على المؤثر والأثر ، لا متناهية ولا غير متناهية ، وهو خلاف الفرض.
وإن لم يوجد متلاقيان البتة ، بل كلّ أمرين فرضا بينهما ثالث ، كان معناه
__________________
(١) هذا الاستدلال من الرازي في المباحث المشرقية ١ : ٥٨٤. وقال صدر المتألهين في رده : «هذا الكلام بطوله قد نشأ من سوء فهم بعض أصول الحكمة ، كمسألة الوجود وزيادته على الماهية الخ» ، راجع الأسفار ٤ : ٢٢٦.