بسطت إلى تغشية سطح العالم ، فإذا لم يكن ذلك بيّن الامتناع مع فرض وجود الجزء ، فكيف يبين بامتناعه وجود الجزء؟
وفيه نظر ، لأنّ العقل قاض بعدم اشتمال الخردلة على مثل تلك الأجزاء.
الوجه الحادي عشر : برهن أقليدس (١) على وجود زاوية هي أصغر الزوايا الحوادّ وذلك يدل على الجزء الذي لا يتجرأ.
اعترض (٢) بمنع عدم انقسامها ، فإنّ هناك زوايا هي أصغر منها بالقوة بغير نهاية. وإنّما قام البرهان على أنّه لا تكون زاوية بين (٣) خطين مخصوصين ، أعني مستقيمين أصغر من تلك. وليس إذا قيل : «إنّه ليس شيء نصفه كذا أصغر من كذا» ، وجب أن يقال : إنّه ليس شيء أصغر منه البتة ، فجاز أن تكون هناك زاوية أصغر منها تحدث من خط مستقيم ومستدير.
وفيه نظر ، لأنّ تلك الزاوية لو انقسمت بخط مستدير ومستقيم لانقسمت بخطين مستقيمين ، إذ لا مدخل لاستقامة الخط الواقع على المنقسم به واستدارته في صغر الخط وكبره وقبوله للقسمة وعدمها. على أنّ تلك الزاوية لو انقسمت بنصفين مثلا لكان المنتصف نقطة ، ولنفرض نقطة أخرى بين الخط المستقيم والمستدير محاذية لتلك النقطة ، فلنا أن نصل بين هاتين النقطتين بخط مستقيم على ما قرّر أقليدس في مصادراته التي بنى عليها أكثر براهينه ، فيلزم انقسام تلك الزاوية بخطين مستقيمين أيضا.
__________________
(١) في الشكل الخامس عشر من المقالة الثالثة من كتاب الأصول ، كما في المباحثات : ٣٦٣ ؛ شرح المواقف ٧ : ١٦.
(٢) المعترض هو ابن سينا في الفصل الخامس من المقالة الثالثة من طبيعيات الشفاء ١ : ٢٠١. راجع أيضا المباحث المشرقية ٢ : ٤٢ ـ ٤٣.
(٣) في المصدر : «من».