البحث الثاني
في إبطال وحدة الجسم
قد عرفت مذاهب الحكماء والمتكلمين في ذلك ، وأنّ الحكماء ذهبوا إلى أنّ الجسم واحد في نفسه كما هو عند الحس (١) ، وأنّه يقبل انقسامات لا نهاية لها ، وأنّه متصل بذاته ، وأنّ الاتصال جزء مقوم له ، وأنه متى انفصل عدم ذلك الجسم ووجد جسمان آخران غير ذلك الجسم الذي كان أولا ، فإذا اتصلا بعد ذلك صارا واحدا وعدم الجسمان الأوّلان وتجدد ثالث.
وهنا مذهب آخر ينسب إلى ديمقراطيس وهو : أنّ الجسم الواحد منقسم بالفعل مركّب من أجزاء لا تتجزأ بالفعل ، لكن كلّ جزء منها قابل للقسمة الفرضية وأنّ تلك الأجزاء أيضا تسمى أجساما. وسيأتي البحث في ذلك.
والمتكلّمون أبطلوا قول الفلاسفة بوجوه (٢) :
الوجه الأوّل : وحدة الجسم إن كانت نفس الجسم أو جزءا منه أو لازما لذاته كان قسمة الجسم إعداما له أو متضمنا له ؛ لأنّ القسمة إعدام للوحدة ، فإذا كانت نفس الجسم أو جزء من الجسم وجب عدمه عند عدم الوحدة. وكذا إن
__________________
(١) قال الشيخ : «بل هو في نفسه كما هو عند الحس» ، شرح الإشارات ٢ : ٣١.
(٢) راجع المطالب العالية ٦ : ٢٣ و ٦١ ـ ٦٨ ؛ المباحث المشرقية ٢ : ٣٢ ؛ نقد المحصل : ٨٦.