البحث الرابع
في إبطال مذهب النظّام
قد نقلنا فيما تقدم عن جماعة من قدماء الحكماء والنظام : أنّ الجسم مؤلّف ممّا لا يتناهى من الأجزاء التي لا تتجزأ فعلا ولا قوة بالفعل.
وقيل (١) : «إنّ هذا شيء لزمهم وإن لم يصرحوا به ؛ لأنّهم لمّا وقفوا على أدلّة نفاة الجوهر الفرد ولم يقدروا على ردّها أذعنوا بها وحكموا بأنّ الجسم ينقسم انقسامات لا تتناهى ، لكنّهم لم يفرّقوا بين ما هو موجود في الشيء بالقوّة وبين ما هو موجود فيه مطلقا ، فظنّوا أنّ كلّ ما يمكن في الجسم من الانقسامات التي لا تتناهى فهو حاصل فيه بالفعل (٢) ، فحكموا باشتماله على ما لا يتناهى من الأجزاء صريحا. وهذا الحكم ينعكس عكس النقيض إلى أنّ كلّ ما لا يكون حاصلا في الجسم من الانقسامات ، فهو لا يمكن أن يحصل فيه.
ثمّ إنّهم معترفون بوجود كثرة في الجسم وأنّ الكثرة إنّما تتألّف من آحاد وأنّ
__________________
(١) والقائل هو الطوسي.
(٢) قال صدر المتألهين : «اعلم : أنّه [النظّام] وافق الحكماء في قبول الجسم انقسامات بغير نهاية ، إلّا أنّه وغيره من المعتزلة لا يفرقون بين القوة والفعل ، فيأخذ هو تلك الأقسام حاصلة بالفعل ، فمن هاهنا يلزم عليه الانتهاء إلى ما لا ينقسم ، فقد وقع فيما هرب عنه من حيث لا يشعر» ، الأسفار ٥ : ٣٨.