القطب ، فإنّهما تقعان على مركز واحد ، ثمّ نخرج خطا منه مارّا على الدائرة الصغرى إلى أن ينتهي إلى العظمى فإنّه يقع على نقطتين فيهما ، فإذا دارت الرحا دار هذا الخط بدورانها ، ومعلوم أنّ حركة النقطة التي كانت من الدائرة الكبرى مع هذا الخط أسرع من التي كانت عليه من الدائرة الصغرى ؛ فإنّ النقطة من الدائرة العظمى قد قطعت في دورة واحدة مسافة أكثر ممّا قطعت النقطة التي هي من الدائرة الصغرى. فإمّا أن يقال بأنّ النقطة من الدائرة العظمى إذا قطعت جزءا فالنقطة التي من الدائرة الصغرى قطعت أقل من جزء ، فانقسم الجزء ؛ أو أنّ النقطة من الدائرة الصغرى تسكن في بعض أوقات حركة النقطة التي من الدائرة العظمى ، فيلزم تفكك الرحا ، وهو باطل (١).
أمّا أوّلا : فلأنّ الحس دال على بقاء أجزاء الرحا محفوظة غير متفككة.
وأمّا ثانيا : فلأنّا نفرض هذا الكلام في الفلك ، فيلزم تفككه دائما والله تعالى قد وصفها (٢) بالشدة (٣).
وأمّا ثالثا : فلأنّ هذا أمر عجيب ، وهو القول بأنّه قد أعطى كلّ جزء من أجزاء الرحا من الإلهام والفطنة حتى علم الأبطأ أنّه كم ينبغي أن يقف حتى لا يزول سمته عن الأسرع ؛ لأنّ كلّ ما هو أقرب إلى القطب يكون أبطأ ، وكلّما كان أقرب إلى طرف الرحا يكون أسرع ، فيحتاج كلّ جزء يقف إلى مقدار مخصوص
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية ٢ : ٢٥ ؛ المطالب العالية ٦ : ١٠١.
(٢) كذا.
(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) (النبأ ، الآية ١٢). قال الرازي بعد الاستدلال بهذه الآية : «وأيضا نتمسك بقوله تعالى في صفة السماوات : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (الملك ، الآية ٣) ولو كانت الأفلاك متخرقة متمزقة ، لوجب أن تكون كلّها خروقا ، وذلك على نقيض قوله تعالى : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ). المطالب العالية ٦ : ١١٦.