الأكثر مقدارا ؛ فإنّ وجود الأقل مقدارا في الأكثر مقدارا إنّما هو بالقوة لا بالفعل لما عرفت من وحدة الجسم ، والذي بالقوة فهو غير موجود. وإذا لم يكن الأقل مقدارا حاصلا بالفعل لم يكن له امتزاج بالغير فضلا عن أن يكون امتزاجه قبل امتزاج شيء آخر ، بل الأولى أن يكون امتزاج الأكثر في المقدار قبل امتزاج الأقل في المقدار إذ الأكثر محصّل محصور والأقلّ غير محصّل ولا محصور.
الثاني : سلمنا تقدّم امتزاج الأقل على امتزاج الأكثر مطلقا ، لكن لا نسلم الاكتفاء بذلك المزاج في حصول الصورة النوعية ، لجواز أن يكون العظم مع ذلك معتبرا ، لجواز أن يكون استعداد المزاج لقبول النفس المدبرة إذا كان وافيا بأفاعيلها ، وإنّما يتم ذلك بمقدار معين من العظم.
الثالث : هب أنّه لو تم ذلك الاستعداد فإنّه تفيض عليه من واهب الصور النفس ، لكن ذلك الامتزاج إنّما يحصل في مكان معين مخصوص ، فلو كانت تلك المادة يسيرة لانفعلت عمّا يحيط بها ولا يبقى ذلك المزاج إلى أن يحصل فيه الاستعداد لقبول تلك الصور ، بل يفسد قبل ذلك.
واعلم : أنّ الانفصال قد يكون بالانفكاك (١) وقد يكون باختلاف الأعراض (٢). والذي يكون باختلاف الأعراض الإضافية لا يجب أن يبلغ الجسم إلى حدّ يكون بعد ذلك فاقدا لتلك الصورة ؛ لأنّ تلك الصورة فاشية في جميعه ، وإلّا لكان إمّا أن يخلو كلّ واحد من أجزائه عن تلك الصورة وإمّا أن يكون بعض
__________________
(١) كسرا أو قطعا. والفرق بينهما انّ القطع يحتاج إلى آلة نفاذة فاصلة بالنفوذ دون الكسر. وأيضا للقطع نوع اختصاص بالأجسام اللينة والكسر بالأجسام الصلبة. شرح المواقف ٧ : ٣٢.
(٢) والقسمة والانفصال باختلاف الأعراض ينقسم إلى ما يكون بسبب عرضين قارّين (حقيقيّين) ، وإلى ما يكون بسبب عرضين إضافيّين. والمراد من القار ما للموضوع في نفسه ، كالسواد والبياض في البلقة ، ومن الإضافي ما للموضوع بحسب قياسه إلى غيره ، كاختلاف محاذاتين أو موازاتين أو مماسّتين. راجع شرح الإشارات ٢ : ٥٥ ـ ٥٦.