وعن الثالث : بأنّ المحاذاة واحدة ، لأنّه ليس شاغلا لحيّز الجوهرين ولا ساترا لهما حتى يكونا مكانين له ، وإنّما يجوز وقوعه على موضع الوصل منهما ، وليس ذلك عبارة عن مكانه.
واعلم : أنّ التحقيق هنا أن نقول : إن كان وقوعه على مفصل الجوهرين موجبا لشغل أحدهما بالكلية بالملاقاة والحصول فيه دون الآخر لم يكن على موضع الاتصال. وإن كان شاغلا لهما معا لزم انقسامه قطعا. فإن كان شاغلا لبعض من كلّ منهما لزم انقسامه وانقسامهما معا.
المسألة الثالثة : في شكل الجزء (١)
قال المثبتون : إذا شبه الجزء بشيء من الأشكال ، فهو بالمربع (٢) أشبه من غيره ؛ لأنّ المربع تتساوى جوانبه وأطرافه حتى لا تتفاوت ، والجزء كذلك ؛ لأنّه لو شبه بالمثلث لرئي من أحد الجوانب ، كأنّه (٣) أكثر من الجانب الآخر ، فإنّ هذا حال المثلث.
__________________
(١) اتّفق المتكلّمون (من الأشاعرة والماتريدية) على انّ الجوهر الفرد لا شكل له ، وأثبت له أكثر المعتزلة شكلا ، إلّا انّهم اختلفوا في تشبيهه ببعض الأشكال ، فقال بعضهم : هو أشبه بالكرة. وقال آخرون : هو أشبه بالمربع. وشبهه آخرون بمثلث. وشبهه بعضهم بالمكعب.
وأمّا الباقلاني ففي موقفه تردد. فهو تارة يتفق مع الأشاعرة على نفي الشكل للجوهر الفرد ويقول : «إنّ الجوهر الفرد لا يشبه شيئا من الاشكال ، لأنّ المشاكلة هي الاتحاد في الشكل ، فما لا شكل له فكيف يشاكل غيره؟» ، الباقلاني وآراؤه الكلامية : ٣٢٩.
وتارة أخرى ينسب إليه تحديده بشكل معين للجوهر ، فينسب إليه الجويني انّه قد أشار في بعض كتبه إلى اختيار شكل المربع من حيث يمكن أن ينتظم من الجواهر الفردة خط مستطيل ، الشامل : ٦٢. راجع أيضا المطالب العالية ٦ : ٢١.
(٢) قال به أبو الهذيل العلاف ومن تبعه. راجع ابن متويه ، التذكرة : ١٧٣ ؛ كشاف اصطلاحات الفنون ١ : ٢٩١.
(٣) ق : «فانّه».