المنفرد عن المادة فلا يتصور له كلّ ولا جزء فضلا عن سائر عوارضهما ، بل لا يتصور فيه اختلاف ولا تغاير. فإذن ليس حكمه حكم الفلك في ذلك.
فالحاصل أنّ للفلك صورة نوعية أوجبت لهيولى الفلك ذلك الامتداد والشكل ، ومنعت أن يكون للجزء صورة الكل وشكله ، لكونه حصل بعد حصول صورة الكل للكل لحدوثه. فهذا الحال (١) للفلك عن عارض وهو معنى الكل والجزء المضاف أحدهما إلى الآخر ومانع وهو كون الجزء جزءا مفروضا بعد حصول الكل.
وأمّا المقدار لو انفرد لم تكن الكلية والجزئية أصلا فضلا عمّا يلزمهما ، لأنّ نفس طبيعته واحدة ، ولا تقتضي الاختلاف (٢) بالكل والجزء ، وليس هناك علة فاعلة ولا مادة قابلة ، فلا اختلاف هناك (٣).
والاعتراض (٤) : «لا نسلّم إمكان تعليل اختلاف الفلك بالكلية والجزئية بالمادة ، فإنّ مادتي الكل والجزء إن اتحدتا كانت الصورة وجزؤها حالّين في محلّ واحد ولم يكن أحدهما بالكلية أولى من الآخر. وإن تباينتا كانت المادة متخالفة في الكلية والجزئية ، وحينئذ إن احتاجت إلى مادة تسلسلت المواد ، وإلّا فالصورة أيضا وحدها تتخالف فيهما من غير احتياج إلى مادة.
لا يقال : تقدّم الصورة في الوجود والحلول على جزئها سبب لكونها أولى بأن تكون كلا منه.
__________________
(١) وهو اختلاف الكل والجزء في المقدار والشكل ، إنّما وقع للفلك عن ثلاثة أمور : عارض ومانع وسبب (وهو مقارنة المادة). راجع المصدر نفسه : ٨٧.
(٢) والعبارة في شرح الإشارات هكذا : «لأنّ نفس طبيعة واحدة لا تقتضي الاختلاف».
(٣) المصدر نفسه : ٨٥ ـ ٨٨.
(٤) المعترض هو الرازي في المصدر نفسه : ٨٩.