ولا يمكن أن تكون الهيولى علّة للصورة ، لأنّ القابل لا يكون فاعلا فتعين العكس. وليست الصورة علّة مطلقة ولا آلة ولا واسطة مطلقة فيها لما مرّ ، فهي شريكة (١).
اعترضه أفضل المتأخرين : بأنّ هذا مناقض لما تقدم ، لأنّه مشتمل على أنّ الصورة متقدمة على الهيولى ، ولمّا كان كذلك استحال تقدم الهيولى على الصورة ، وقد كانت الحجّة المذكورة على امتناع كون الصورة علّة للهيولى مبنيّة على أنّ للهيولى تقدّما بوجه ما على الصورة.
وأيضا قوله : «فمعقّب البدل مقيم للمادة لا محالة بالبدل» ليس بجيد على الإطلاق ، فإنّ الجسم لا ينفك عن أين ما وشكل ما ومقدار ما ، وإذا كان كذلك فمتى زال أين معيّن أو شكل معيّن أو مقدار معيّن فلا بدّ وأن يحصل أين آخر وشكل آخر ومقدار آخر ليكون بدلا لما مضى. ثمّ لا يلزم أن تكون هذه الأعراض صورا مقوّمة للمادة. فعلمنا أنّ معقّب البدل لا يجب أن يكون مقيما للمادة بذلك البدل ، بل لو صحّ ذلك لكان إنّما يصحّ في بعض الأشياء وبالبرهان (٢).
أجاب أفضل المحقّقين بأنّه بيّن كيفية تقدم الصورة على الهيولى وأشار إلى أنّ المسألة لا تنعكس ، لاستحالة الدور. ولأنّ الهيولى لو كانت مقيمة للصورة لكانت متقوّمة بنفسها قبل وجود الصورة إمّا بالذات أو بالزمان ، وهو محال لما مرّ. وهذا بعينه هو الذي أورده في بيان استحالة أن تكون الصورة علّة مطلقة للهيولى. فحصل من ذلك استحالة كون كلّ منهما علّة مطلقة للأخرى ، لاستحالة قيام كلّ منهما من غير الأخرى. ثمّ جعل الصورة من حيث هي صورة سابقة على الهيولى وشريكة لعلتها الفاعلية ولم يجعل الهيولى من حيث هي هيولى سابقة على الصورة ، لأنّ الهيولى من حيث هي هيولى قابلة محضة بخلاف الصورة ، فلا يمكن
__________________
(١) المصدر نفسه : ١٣٩ ـ ١٤٠.
(٢) المصدر نفسه.