البحث الرابع
في أنّ الأجسام مرئية
اختلف الناس في ذلك (١) ، فذهب المتكلمون من المعتزلة والأشاعرة إلى أنّها مرئية. وقالت الفلاسفة : إنّها مرئية بالعرض لا بالذات (٢) على معنى أنّها من حيث هي أجسام أو جواهر مجردة عن الأعراض غير مرئية ، ومن اتصافها باللون والضوء تصير مرئية بواسطتهما. وحكى عن الصالحي أنّه جعل المدرك هو اللون دونه. وبالضد من هذا قول من زعم أنّ المدرك هو القائم بنفسه ، فأخرج اللون من كونه مرئيا على ما يقوله الكلاميّة (٣).
__________________
(١) فقال أبو الهذيل : الأجسام ترى. وكان الجبائي يوافقه. وقال النظام : محال أن يرى الإنسان إلّا الألوان والألوان أجسام ولا جسم يراه الرائي إلّا لون. وقال عبّاد بن سليمان : لا يرى الرائي إلّا الأجسام.
وقال أبو الحسين الصالحي : الأجسام لا ترى ولا يرى إلّا لون والألوان أعراض. وقال معمّر : إنّما تدرك أعراض الجسم ، فأمّا الجسم فلا يجوز أن يدرك. راجع مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين : ٣٦٢ ـ ٣٦٣.
(٢) قال الرازي : «الأجسام مرئية ، خلافا للفلاسفة». ودافع الطوسي عن الفلاسفة وبيّن مرادهم بقوله:«الفلاسفة لا ينكرون كون الأجسام مرئية ، بل إنّما يقولون : الأجسام مرئية بتوسط الألوان والأضواء ، وليست بمرئية بذاتها من غير توسط بشيء ، وإلّا لرئي الهواء» ، نقد المحصل : ٢١٣.
(٣) كذا.