احتج أبو هاشم بوجهين :
أ : العلم جار مجرى المنافع الخالصة لاسترواح (١) العقلاء إليه ، ولو لا حسن الجميع لم يصحّ ذلك.
ب : لو قبح شيء من العلوم لكان الموصوف به موصوفا ببعض صفات النقص ، ولو كان كذلك في حقّ الواحد منّا لكان كذلك في حقّ الله تعالى.
اعترض على ـ أ ـ بأنّ الاسترواح إلى الشيء يقتضي حصول نفع فيه فقط ، دون الحسن أو القبح.
وعلى ـ ب ـ بأنّ المعنى قد يقبح ولا يوجب صفة نقص ، فإنّا لو قدرنا على حمل الجبال وطفر البحار لم يكن فيه ما يقتضي صفة نقص مع قبح تلك القدرة.
المسألة الحادية عشرة : في أحكام التصوّر
وهي تسعة :
الأوّل : التصوّر إمّا شرط في التصديق (٢) ، أو جزء منه. وعلى التقديرين يكون سابقا عليه لاحتياج المشروط والمركّب إلى شرطه وجزئه ، والمحتاج متأخّر عن المحتاج إليه تأخّر المعلول عن علّته. ولأنّ الضرورة قاضية بأنّ المحكوم عليه وبه
__________________
(١) استروح : وجد الراحة ، واستروح العقلاء إليه : سكنوا إليه. راجع لسان العرب (مادة : روح).
(٢) كما عليه المشهور من الحكماء. والجزئية مذهب الرازي كما في نقد المحصل : ٦. وقال صدر المتألهين : «إنّ كلا من التصوّر والتصديق نوع بسيط من ماهية العلم الذي هو جنسهما ، فما أسخف رأي من جعل التصديق مركّبا من أمور ثلاثة أو أربعة كما اشتهر من رأي الإمام الرازي ... وكذا رأي من أخذ في تحصيل مفهوم التصديق التصور على وجه الشرطية لا على وجه الدخول. والحقّ انّ مفهوم التصوّر عين التصديق جعلا ووجودا ، داخل فيه ماهيّة وتحليلا كدخول الجنس في ماهية النوع البسيط». رسالة التصوّر والتصديق : ٣١٠ ، المطبوعة في آخر كتاب الجوهر النضيد للعلّامة الحلّي.