وفيه نظر ، فإنّ المحدود إنّما يعلم بحدّه وحدّ العلم ليس هو العلم نفسه فهو ممّا عداه ، فإذن هو ممّا يعلم بالعلم ، والعلم إنّما يعلم به لأنّه حدّه. وأيضا العلم إذا علم بحدّه كان ذلك الحدّ معرفا لكلّ علم ، الّذي من جملته العلم بالعلم وبحدّ العلم ، فيكون كلّ من العلم والعلم بحدّه معلوما بصاحبه ، وهو دور.
والتحقيق أن نقول : ما يعلم به الشيء يؤخذ باعتبارين :
الاعتبار الأوّل : أن يكون كاسبا له ومعرفا إيّاه ، كالحدّ والرسم والحجّة.
الاعتبار الثاني : أن يكون آلة في العلم ، بأن يكون صورة مساوية له ، أو إضافة بين العلم والمعلوم على اختلاف الرأيين.
فحدّ العلم إذا علم به إنّما يؤخذ بالاعتبار الأوّل ، وإذا علم بالعلم إنّما يؤخذ بالاعتبار الثاني.
وفي الثاني نظر ، وهو المنع من وجود علم مطلق يكون جزءا من كلّ علم ، وحصول العلم بالعلم الخاص من كلّ وجه. وقد تقدّم مثله في الوجود.
وقيل : العلم هو الحاكم بامتياز كلّ شيء عمّا عداه ، فكيف لا يميّز نفسه عن غيره؟ ولأنّ كلّ ما يعرّف به العلم فالعلم أعرف منه ، لأنّه حالة نفسانية يجدها الحي من نفسه ابتداء من غير لبس ولا اشتباه ، وما هذا شأنه يتعذّر تعريفه. ولأنّ كلّ من عرف شيئا أمكنه أن يعلم كونه عالما بذلك الشيء من غير برهان ونظر ، والعلم بكونه عالما بشيء عبارة عن العلم باتصاف ذاته بالعلم ، والعلم باتصاف أمر بأمر يستدعي العلم بكلّ واحد من الأمرين ـ أعني الموصوف والصفة ـ فلو كان العلم بحقيقة العلم مكتسبا لاستحال أن نعلم كوننا عالمين بشيء لا بنظر واستدلال ، ولمّا لم يكن كذلك ثبت أنّ العلم بحقيقة العلم غني عن السبب.
وفيه نظر ، فإنّه لا يلزم من كونه هو الحاكم بامتياز كلّ شيء عمّا عداه أن