البحث الثاني
في إبطال كلمات السوفسطائية (١)
قد عرفت أنّ حكم الذهن بشيء على شيء ، إمّا أن يكون جازما أو لا ، فالجازم إمّا أن يكون مطابقا أو لا ، والمطابق إمّا أن يكون لموجب أو لا ، وإن كان لموجب فإمّا أن يكون حسيا أو عقليا أو مركبا منهما ، فإن كان حسيا فهي المحسوسات في الحواس الخمس ، وإن كان عقليا فإنّ الموجب تصور طرفي القضية لا غير وهي البديهيات ، أو لا بدّ من شيء آخر وهو النظريات. وإن كان الموجب مركبا من الحس والعقل ، فإن كان من السمع والعقل فهو العلم الحاصل
__________________
(١) السوفسطائية : طائفة من المعلّمين متفرقين في بلاد اليونان ـ اتّخذوا التدريس حرفة فكانوا يرحلون من بلد إلى بلد يلقون المحاضرات ، منهم «بروتاجوراس» كان يعلم قواعد النجاح في السياسة ، و «هدياس» وكان يعلم التاريخ والطبيعة والرياضة. والمقياس الذي قامت عليه فلسفتهم هو : الإنسان مقياس كلّ شيء. وتكاد تكون فلسفة «البرجماتزم» التي لا تريد أن تعترف بحقيقة في ذاتها قريبة الشبه جدّا بتعاليم السوفسطائيين ، ولسنا على خطأ إذا قلنا : إنّها سوفسطائية العصر الحديث ، ولا ريب انّ موضوع الخطأ عند «بروتاجوراس» قديما ، ومذهب «البرجماتزم» حديثا ، هو الاعتماد على الحواس وتجاهل العقل. راجع قصة الفلسفة اليونانية ، أحمد أمين وزكي نجيب : ١٠٨.
ونقل الطوسي عن أهل التحقيق : هذه لفظة من لغة اليونانيين ، فانّ «سوفا» بلغتهم اسم للعلم والحكمة و «اسطا» اسم للمغلطة ، فسوفسطا معناه علم الغلط ، كما كان «فيلا» اسم للمحبّ ، و «فيلسوف» معناه محبّ العلم ، ثمّ عرّب هذان اللفظان ، واشتقّ منهما السّفسطة والفلسفة. نقد المحصل : ٤٦.
وانظر البحث أيضا في نهاية العقول (المسألة الأولى من الأصل الثاني).