وحكى فلوطرخس (١) : أنّ أيرقليطيس زعم أنّ الأشياء إنّما انتظمت بالبخت (٢) ، وجوهر «البخت» هو نطق عقلي ينفذ في الجوهر الكلي.
وأمّا انكساغورس فانّه قال : إنّ ذلك الجسم هو الخليط الذي لا نهاية له ، وهو أجسام غير متناهية. وفيه من كلّ نوع أجزاء صغيرة متلاقية أجزاء على طبيعة الخبز وأجزاء على طبيعة اللحم ، فإذا اجتمع من تلك الأجزاء شيء كثير وصار بحيث يحس ويرى ، ظنّ أنّه حدث. وهذا القائل بنى مذهبه هذا على إنكار المزاج والاستحالة وقال بالكمون والظهور.
وزعم بعض هؤلاء : أنّ ذلك الخليط كان ساكنا في الأزل ، ثمّ إنّ الله تعالى حرّكه فتكوّن منه هذا العالم.
ونقل صاحب الملل عن انكساغورس : أنّ مبدأ الموجودات متشابه الأجزاء ، وهي أجزاء لطيفة لا يدركها الحس ولا يناله العقل. قال : وهو أوّل من قال بالكمون والظهور(٣). ولم ينقل عنه القول بالخليط.
وذهب ذيمقراطيس إلى أنّ أصل العالم أجزاء كثيرة كريّة الشكل ، قابلة للقسمة الوهمية دون القسمة الانفكاكية متحركة لذاتها حركات دائمة. ثمّ اتّفق في تلك الأجزاء أن تصادمت على وجه خاص ، فحصل من تصادمها على ذلك الوجه هذا العالم على هذا الشكل ، فحدثت السماوات والعناصر ، ثمّ حدثت من
__________________
(١) فلوطرخس (نحو ٤٦ ـ ١٢٧ م) : «مفكر ومؤرخ فلسفة وسياسة ، ولد في اليونان. كان خصما للخرافات والأساطير الرواقية والابيقورية. اهتم بمشكلة الشر فارجعها إلى المادة. له كتاب الانهار وخواصها وما فيها من العجائب. الملل والنحل ٢ : ٤١٦ ؛ موسوعة الفلسفة ٢ : ١٩٥ ؛ الفهرست : ٣١٤.
(٢) انظر تفسير البخت والاتفاق وأقسامه في الفصل الثالث عشر من المقالة الأولى من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء.
(٣) الملل والنحل : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ و ٣٧٦.