الحادي عشر : (١) لو كان العالم محدثا لكان الله تعالى عالما بالجزئيات ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.
بيان الشرطية : أنّ المؤثر يستحيل أن يقصد إلى الايجاد والإحداث إلّا إذا كان عالما بأنّ ذلك الشيء معدوم ، فانّه لو لم يعلم عدمه لاستحال منه القصد إلى الايجاد ، ثمّ إذا أوجد الفعل فلا بدّ وأن يصير عالما بوجوده ، وذلك يقتضي وقوع التغيير في علم الله تعالى ، وهو محال.
الثاني عشر : (٢) لو كان العالم محدثا لكان فاعله مختارا ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.
بيان الشرطية : ظاهر ، وأمّا بطلان التالي فلوجهين :
الأوّل : ذلك الاختيار إن كان لغرض وجب أن يكون وجود ذلك الغرض أولى له من عدمه وإلّا لم يكن غرضا ، وإذا كان الغرض أولى له كان الله تعالى مستكملا بخلق العالم ، وهو محال.
لا يقال : إنّما يلزم الاستكمال لو كان ذلك الغرض عائدا إليه ، أمّا إذا كان عائدا إلى غيره وكان الداعي هو الإحسان إلى الغير اندفع المحذور.
لأنّا نقول : (٣) الإحسان إلى الغير إن كان بالنسبة إلى ذاته أولى من ترك الإحسان عاد الغرض إليه ، وإلّا لم يكن غرضا. ولأنّ كلّ من فعل لغرض غيره كان الفاعل أخسّ من المفعول له كالخادم والمخدوم ، ولمّا استحال أن يكون غير الله
__________________
(١) هذا الوجه مبني على علم الباري تعالى. وقد استقصى الرازي الدلائل المبنية على صفة العلم في المطالب العالية ٤ : ١٥٥ ـ ١٦٦.
(٢) راجع إلهيات النجاة (فصل في أنّ ذلك يقع لانتظار وقت ...). وهي الحجّة الرابعة من الدلائل المستنبطة من الحسن والقبح والحكمة والعبث في المطالب العالية ٤ : ١٤٠.
(٣) أنظر الجواب في شرح الإشارات ٣ : ١٤٩.