العنصرية بسبب اختلاف الحركات السماوية الدورية يختلف استعدادها بحسب الاستعدادات المختلفة تفيض (١) عليها من العقل الفعال كيفيات مختلفة ، فلو لا الحركات السماوية لاستحال حدوث الحوادث في عالمنا هذا ، ثمّ تلك الحركات السماوية لا بدّ وأن يكون كلّ واحد منها مسبوقا بغيره لا إلى أوّل ليكون كلّ متقدم متقربا للعلّة الموجدة إلى المعلول بعد بعدها عنه ، وذلك هو الذي يقتضي قدم العالم.
والأصل في ذلك أنّ العلّة قد تكون معدّة وقد تكون مؤثرة.
أمّا المعدّة فيجوز تقدمها على المعلول لأنّها غير مؤثرة في الوجود بل هي تقرّب العلّة إلى المعلول. وأمّا المؤثرة فانّها يجب أن تكون مقارنة للأثر معه. مثاله في الأفعال الطبيعية : أنّ الثقل علّة للهوى ، ثمّ إنّ الثقل لا ينتهي بحركته إلى حدّ من حدود المسافة إلّا ويصير ذلك الانتهاء سببا لاستعداده لأن يتحرّك منه إلى الحدّ الذي يليه ، فالحركة السابقة علّة لحصول الاستعداد والمؤثر في وجود الحركة هو الثقل وهو موجود مع الأثر.
ومثاله من الأفعال الإرادية : أنّ مريد الحج تكون تلك الإرادة الكلية سببا لحدوث إرادات جزئية مترتبة يكون كلّ واحد منها علّة بالعرض للآخر ، فانّه لا تنتهي الحركة إلى حدّ من حدود المسافة إلّا ويكون انتهاؤه إلى ذلك الحدّ سببا لأن يحدث له قصد آخر جزئي إلى أن يتحرك منه إلى الحدّ الذي يليه ، والمؤثر في وجود تلك الحركة هو القصد الكلي وهو مقارن لجميع أجزاء الحركة موجود معها. فلهذه الحوادث سبب قديم هو الواهب للصور المفيض للوجود ، لكن فيضانها عنه موقوف على صيرورة المادة مستعدة لقبول ذلك الفيض ، وصيرورة المادة مستعدة بعد أن لم تكن إنّما تكون بواسطة الحركات والتغيرات حتى يكون كلّ سابق علّة
__________________
(١) كذا.