وعن الثاني عشر : أنّ فعله لغرض عائد إلى الغير. (١)
قوله : «حصول نفع الغير إن ساوى عدم حصوله بالنسبة إليه كان ترجيحا من غير مرجّح ، وإلّا كان مستكملا».
قلنا : إن عنيتم بذلك أنّه إذا كان حصول الغرض لغيره لا يتضمن حصول كمال له وعدم حصول ذلك الغرض لذلك الغير لا يتضمن فوات كمال عنه وجب أن لا يكون ذلك حاملا له على الفعل ، وهو ممنوع ؛ لأنّ مجرّد انتفاع الغير يصلح داعيا للفاعل إلى الفعل. نعم الفاعل الذي هذا شأنه يستحقّ المدح والثناء بحيث لو لم يصدر عنه ذلك الفعل لم يحصل ذلك الاستحقاق. فإن عنيتم بالاستكمال هذا ، فلم قلتم : إنّه محال؟ وما الدليل عليه. على أنّ حديث الكمال والنقصان خطابي. ولأنّه تعالى كامل لذاته فاقتضى لذاته الكمال ومن جملته نفع الغير ، فكان صادرا عنه بمقتضى كماله. ولا نسلم أنّ من فعل لأجل الغير يكون أنقص وأخس منه. وينتقض بالنبي عليهالسلام المبعوث لنفع الأمّة ولإرشادهم وهو أشرف من الأمّة وأكمل منهم ، والراعي أشرف من الغنم. ولا نسلّم أنّ خلق الكافر قبيح ، وتكليف ما لا يطاق بالنسبة إليه ممنوع. وليس الغالب الشر والآفات ، والعوض واجب على ما يأتي بيان ذلك كلّه إن شاء الله تعالى في باب العدل.
__________________
(١) هذا على رأي المتكلّمين. وعلى رأي بعضهم أنّه لا غاية هناك. وعند الفلاسفة أنّ الغاية هناك نفس الفاعل ، لأنّه تعالى إنّما يفعل لذاته ؛ ولأنّه فوق الكمال. راجع نقد المحصل : ٢٠٨.
وقال الطوسي : «إنّ قوما من المتكلمين يعلّلون أفعال الباري تعالى بالحسن والأولوية ، فيقولون : إنّ إيصال النفع إلى الغير حسن في نفسه وفعله أولى من تركه. فلأجل ذلك خلق الله تعالى الخلق. والشيخ [ابن سينا] أراد أن ينبّه على أنّ هذا الحكم في حقّ الله تعالى مقتضى لاسناد نقصان إليه ...» شرح الإشارات ٣ : ١٤٣.