مقدّرة غير متناهية لا محقّقة. وما ذكرتموه ينتقض بالحادث اليومي ، فانّه متأخر عن العالم عندكم بأوقات محقّقة غير متناهية وانقضاء ما لا يتناهى محال ، فما هو جوابكم عن هذا السؤال فهو جوابنا عن العالم.
لا يقال : التوقّف عبارة عمّا إذا كان الشيئان معدومين ثمّ توقّف دخول أحدهما في الوجود على أن يبتدئ الآخر في الوجود وينقضي ثمّ يحصل بعده الآخر ، وهذا لا يمكن فرضه إلّا إذا كان للحوادث الماضية بداية ، أمّا إذا لم تكن لها بداية لم يتحقّق هذا التوقف.
لأنّا نقول : إن صحّ لكم هذا الجواب في الأوقات المحقّقة فاقبلوه منّا في الأوقات المقدّرة.
وعن السابع عشر : أنّه خيال ضعيف عامي لا تحقّق له عند الخواص (١) ، فلا يجوز إثباته في الكتب العلمية ولا الالتفات إليه البتة. على أنّ البديهة فرّقت بين الأمرين ، فانّا إذا رأينا شخصا قطعنا بأنّه تولد عن الأبوين ، وإذا عرضنا على ذهننا أنّه هل يمكن في الجملة قبل زماننا حدوث شخص لا عن الأبوين؟ لم نجد الذهن قاطعا بامتناع ذلك ، وإذا حكمت البديهة بالفرق لم يضر الجهل بكمية ذلك الفرق.
__________________
(١) قال القاضي عبد الجبار : ومنها ما يتعلق ب «عوام الملحدة» ثمّ ذكره وأجاب عليه بقوله : «إنّ هذا اعتماد على مجرّد الوجود ، والاعتماد على مجرّد الوجود في مثل هذه المسائل لا يمكن ... يبين ذلك أنّ أرباب المذاهب جملة أثبتوا خلاف ما قد وجدوه ولم يعتمدوا على مجرّد الوجود. ولهذا فإنّ الفلاسفة يقولون : إنّ في هذا العالم مواضع لا ينبت فيها نبات ولا يعيش فيها حيوان ، وإنّما تكون دائمة الظلمة أو الشمس ، مع أنّهم لم يشاهدوا مثله.
على أنّا نقول لهم : إنّ الحال فيما ذكرتموه لا يخلو ، إمّا أن تكون الدجاجة والبيضة قديمتين أو محدثتين أو أحدهما قديمة والأخرى محدثة ، فإن كانتا محدثتين فهو الذي نقوله ، وإن كانتا قديمتين لم يصحّ كون أحدهما من الأخرى وكذلك الكلام إذا جعل أحدهما قديمة والأخرى محدثة». شرح الأصول الخمسة : ١١٧ ـ ١١٨.